يكاد يكون العنف حديث الشارع العربي في السنوات الأخيرة، عنف في أفغانستان، وفي العراق، وفي لبنان، وفي فلسطين، وفي الصومال، وفي اليمن السعيد، والحبل على الجرار. الأدب يتحدث عن العنف، والإذاعات والتلافيز.
الكاتب الأفريقي فيستوس أيايي كتب رواية جميلة تحمل عنوان "عنف" ترجمها إلى العربية المرحوم الروائي هاني الراهب الذي فصله رئيس اتحاد الكتاب الأزلي من الاتحاد بعنف لم يسبق له مثيل، إذ أنه لم يفصله وحسب، بل شكك في وطنيته، ودون أن يمنحه فرصة الدفاع عن نفسه طبعاً.
لن أحدثكم عن "خريف البطريرك" لماركيز ولا عن فصل "ظهور اللوياثان" في رواية حيدر حيدر الشهيرة، ولا عن العنف في المدارس، والسجون، والدوائر الحكومية، والمنازل، بل سأحدثكم عن الحوار الذي يفترض به أن يكون البديل المنطقي للعنف.
انظروا إلى الحوارات التي تجريها المحطات الفضائية العربية ترَوْا أموراً تستحق الفرجة. لا شيء ينقص المتحاورين سوى العصي والكرابيج وبكوس الحديد لكي يتشابكوا ويتباطحوا ويتعافسوا بالأقدام وتسيل دماؤهم على أراضي الاستوديوهات!
حينما كنا صغاراً كان يأتي أحد زملائنا ليخبرنا عن مشكلة وقعت بينه وبين شخص آخر.
إنه لا يقول تشاجرت معه، بل يقول (عملت له قتلة)، والقتلة في لغتنا لفظة لها صفات عديدة، باعتبارها لفظة مهما وذات دلالة.
فثمة قتلة توصف بأنها (حشك ولبك)، وأخرى (جلد كلب)
وأحياناً يخبر المنتصر زملاءه بما فعل مع شخص خاصمه قائلاً:
- قتلته قتلة نَشَّحت جلده!
أو: عملت له قتلة من كعب الدست! (أي: سوداء ).
ذات مرة داهم رجل من الناس أحد أصدقائي الشعراء في عقر داره، وهو يحمل في جعبته قصيدة، وأرغمه، بالحياء والخجل على سماعها، ثم أحرجه لكي يقول رأيه فيها، فقال صديقي إن القصيدة مختلة الوزن،..
فحلف صاحب القصيدة بتراب الفراهيدي والدؤلي والزمخشري والثعالبي وابن منظور على أنه عد أحرف الكلمات الموجودة في كل شطر من كل بيت، وضبطها لتكون مساوية لأحرف الكلمات الموجودة في الشطر الآخر، على الديزم! فغالبت صديقي ضحكةٌ كادت تفضحه، وقال له: حسناً، دعنا من الوزن الآن، إن في قصيدتك عدداً لا يستهان به من العيوب الفنية، منها.. ومنها..
فلما أتى على ذكر العيوب كلها قب صاحب القصيدة في وجهه قائلاً: عفواً ولكن هذه العيوب كلها موجودة في شعرك!
فما كان من صديقي إلا أن امتلأ بالغيظ وقال له:
-أخي أنا شعري ما بيسوى نكلة، ولكننا الآن نتحدث عن شعر حضرتك، وليس عن شعري!
وفي مرة أخرى أقيمت ندوة في مدينتنا عن تحديد النسل.
الطبيب المشارك تحدث عن الآثار الصحية السيئة لكثرة الإنجاب، والخبير الاقتصادي حكى عن مخاطر الإنجاب الكثيرة على الأسرة والمجتمع، ومندوبة الاتحاد النسائي شرحت للحاضرين أفضل الطريق المتبعة في تحديد النسل، ومندوب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أشار إلى علاقة الإنجاب بازدياد معدلات البطالة، ومندوب وزارة الأوقاف نفى أن يكون تحديد النسل متعارضاً مع الأديان، ومندوب وزارة الإعلام تحدث عن التوعية والـ.. والـ.. وهكذا
ولأكثر من ساعة ونصف والسادة المختصون المعنيون بالأمر يقدمون لنا خلاصات ما وصلوا إليه في مجال تخوفهم من الانفجار السكاني الوشيك، إلى أن فتح باب الحوار فوقف أحد الحاضرين، مميلاً رأسه جهة اليمين، وقال مخاطباً رئيس الجلسة بكل ثقة بالنفس:
- لماذا أحدد النسل إذا كان الله تعالى قد وضع فيَّ قوة الذرية، وهيأ لي امرأة ولوداً، ورزقني من المال ما يكفي لأن أؤمن لأولادي رغيف الخبز وبعض الأدام؟
ومع أن سلاح المتحاورين في هاتيك الندوة لم يكن سوى الفكر والرأي والقلم فقد خيل إلي أن الرأي الذي قدمه صاحبنا يشبه الحزام الناسف الذي يرتديه الانتحاري ويفجر نفسه وسط حشد لا على التعيين من الناس فيودي بحياتهم جميعاً!
أجل، لقد نسف صاحبنا الآراء الأخرى جميعاً وألصق أشلاءها بالجدران!
مع فائق احترامي للجميع
الكاتب الأفريقي فيستوس أيايي كتب رواية جميلة تحمل عنوان "عنف" ترجمها إلى العربية المرحوم الروائي هاني الراهب الذي فصله رئيس اتحاد الكتاب الأزلي من الاتحاد بعنف لم يسبق له مثيل، إذ أنه لم يفصله وحسب، بل شكك في وطنيته، ودون أن يمنحه فرصة الدفاع عن نفسه طبعاً.
لن أحدثكم عن "خريف البطريرك" لماركيز ولا عن فصل "ظهور اللوياثان" في رواية حيدر حيدر الشهيرة، ولا عن العنف في المدارس، والسجون، والدوائر الحكومية، والمنازل، بل سأحدثكم عن الحوار الذي يفترض به أن يكون البديل المنطقي للعنف.
انظروا إلى الحوارات التي تجريها المحطات الفضائية العربية ترَوْا أموراً تستحق الفرجة. لا شيء ينقص المتحاورين سوى العصي والكرابيج وبكوس الحديد لكي يتشابكوا ويتباطحوا ويتعافسوا بالأقدام وتسيل دماؤهم على أراضي الاستوديوهات!
حينما كنا صغاراً كان يأتي أحد زملائنا ليخبرنا عن مشكلة وقعت بينه وبين شخص آخر.
إنه لا يقول تشاجرت معه، بل يقول (عملت له قتلة)، والقتلة في لغتنا لفظة لها صفات عديدة، باعتبارها لفظة مهما وذات دلالة.
فثمة قتلة توصف بأنها (حشك ولبك)، وأخرى (جلد كلب)
وأحياناً يخبر المنتصر زملاءه بما فعل مع شخص خاصمه قائلاً:
- قتلته قتلة نَشَّحت جلده!
أو: عملت له قتلة من كعب الدست! (أي: سوداء ).
ذات مرة داهم رجل من الناس أحد أصدقائي الشعراء في عقر داره، وهو يحمل في جعبته قصيدة، وأرغمه، بالحياء والخجل على سماعها، ثم أحرجه لكي يقول رأيه فيها، فقال صديقي إن القصيدة مختلة الوزن،..
فحلف صاحب القصيدة بتراب الفراهيدي والدؤلي والزمخشري والثعالبي وابن منظور على أنه عد أحرف الكلمات الموجودة في كل شطر من كل بيت، وضبطها لتكون مساوية لأحرف الكلمات الموجودة في الشطر الآخر، على الديزم! فغالبت صديقي ضحكةٌ كادت تفضحه، وقال له: حسناً، دعنا من الوزن الآن، إن في قصيدتك عدداً لا يستهان به من العيوب الفنية، منها.. ومنها..
فلما أتى على ذكر العيوب كلها قب صاحب القصيدة في وجهه قائلاً: عفواً ولكن هذه العيوب كلها موجودة في شعرك!
فما كان من صديقي إلا أن امتلأ بالغيظ وقال له:
-أخي أنا شعري ما بيسوى نكلة، ولكننا الآن نتحدث عن شعر حضرتك، وليس عن شعري!
وفي مرة أخرى أقيمت ندوة في مدينتنا عن تحديد النسل.
الطبيب المشارك تحدث عن الآثار الصحية السيئة لكثرة الإنجاب، والخبير الاقتصادي حكى عن مخاطر الإنجاب الكثيرة على الأسرة والمجتمع، ومندوبة الاتحاد النسائي شرحت للحاضرين أفضل الطريق المتبعة في تحديد النسل، ومندوب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أشار إلى علاقة الإنجاب بازدياد معدلات البطالة، ومندوب وزارة الأوقاف نفى أن يكون تحديد النسل متعارضاً مع الأديان، ومندوب وزارة الإعلام تحدث عن التوعية والـ.. والـ.. وهكذا
ولأكثر من ساعة ونصف والسادة المختصون المعنيون بالأمر يقدمون لنا خلاصات ما وصلوا إليه في مجال تخوفهم من الانفجار السكاني الوشيك، إلى أن فتح باب الحوار فوقف أحد الحاضرين، مميلاً رأسه جهة اليمين، وقال مخاطباً رئيس الجلسة بكل ثقة بالنفس:
- لماذا أحدد النسل إذا كان الله تعالى قد وضع فيَّ قوة الذرية، وهيأ لي امرأة ولوداً، ورزقني من المال ما يكفي لأن أؤمن لأولادي رغيف الخبز وبعض الأدام؟
ومع أن سلاح المتحاورين في هاتيك الندوة لم يكن سوى الفكر والرأي والقلم فقد خيل إلي أن الرأي الذي قدمه صاحبنا يشبه الحزام الناسف الذي يرتديه الانتحاري ويفجر نفسه وسط حشد لا على التعيين من الناس فيودي بحياتهم جميعاً!
أجل، لقد نسف صاحبنا الآراء الأخرى جميعاً وألصق أشلاءها بالجدران!
مع فائق احترامي للجميع
6/8/2023, 9:34 pm من طرف روان علي شريف
» أنا بهذه اللحظة
10/28/2021, 8:01 am من طرف جاك
» على الرصيف
6/13/2020, 5:40 pm من طرف روان علي شريف
» بوابة الجحيم
6/13/2020, 4:58 pm من طرف روان علي شريف
» الكاتب علي شريف روان في حوار لـ"الديوان"
6/28/2019, 5:05 pm من طرف روان علي شريف
» فردوس مليندا المفقود.
3/12/2019, 1:20 am من طرف روان علي شريف
» بدري فركوح
3/4/2019, 11:56 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ليلى العفيفة
3/4/2019, 11:52 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مجموعة مؤلفات محمد حسنين هيكل
1/27/2019, 3:42 pm من طرف نبيل اوزاعي
» ألفية العياط فى النحو
11/9/2018, 3:13 am من طرف محمود العياط
» ديوان إنشق القمر
8/14/2018, 2:05 am من طرف محمود العياط
» ديوان بومبا والاقزام
2/25/2018, 3:39 am من طرف محمود العياط
» بريد الموتى
1/23/2018, 2:35 am من طرف روان علي شريف
» ديوان دحش قرم ودانك
12/21/2017, 4:33 am من طرف محمود العياط
» ديوان حادى يابادى يا كرنب زبادى
10/14/2017, 6:21 am من طرف محمود العياط
» من عجائب الأرقام
5/24/2017, 9:36 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ابن الرومي
5/24/2017, 9:20 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» قصيدة حبك وقلبى
8/13/2016, 11:05 pm من طرف محمود العياط
» الأعشى الأكبر
6/11/2016, 4:17 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مساء الخير
5/2/2015, 8:40 am من طرف السراب
» مي زيادة
4/22/2015, 11:17 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» لبيد بن ربيعة
12/28/2014, 4:44 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» زهير بن أبي سلمى
12/20/2014, 4:32 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» جبران خليل جبران
12/5/2014, 2:16 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» إيايا أبو ماضي
11/5/2014, 2:09 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» حمل برنامح تعلم اللغة الانجليزيه على جهازك المحمول
9/11/2014, 10:04 pm من طرف poopy87
» أوبريت ملحمة تحتمس الرابع ولوحة الاحلام
7/28/2014, 9:41 am من طرف محمود العياط
» سيف الفراق
7/22/2014, 2:59 am من طرف محمود العياط
» ديوان اعشقك جدا
7/22/2014, 2:56 am من طرف محمود العياط
» ديوان الحديث مع النفس البشرية
7/22/2014, 2:54 am من طرف محمود العياط
» عمرو بن كلثوم
6/14/2014, 6:02 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» طرفة بن العبد
5/28/2014, 5:26 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ديوان رصاصة فى قلب الجياد العجوزة
5/20/2014, 10:40 pm من طرف محمود العياط
» شهداء 6 أيار 1916
5/6/2014, 5:45 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» الياس قنصل
4/23/2014, 4:20 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» زكي قنصل
4/23/2014, 4:18 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» فضائية الجزيرة إحدى أسلحة قطر
4/3/2014, 6:05 pm من طرف طالب علي
» إضافة رائعة للفايرفوكس ( ميزة AutoPager ) تجعل كل المواضيع في صفحة واحدة
4/2/2014, 4:47 pm من طرف العـدوي
» محمود درويش مؤلفات ودواوين
3/20/2014, 9:56 pm من طرف wadfay
» حاتم الطائي
3/20/2014, 6:35 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» حكمة اليوم
3/2/2014, 6:03 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» امرؤ القيس
3/2/2014, 5:55 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» محتويات مكتبة الروايات
2/9/2014, 4:26 pm من طرف أريج الورد
» تقديم ديوان رصاصة فى قلب الجياد العجوزة محمود العياط
2/1/2014, 8:33 pm من طرف محمود العياط
» الحارث بن حلزة
1/21/2014, 7:36 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مجموعة من الاغاني النادرة لكاظم الساهر تجدونها عند السراب فقط لا غير
1/19/2014, 10:02 am من طرف mas12ter
» رخصة زواج للمؤجل اداريا
1/8/2014, 9:17 am من طرف anas198510
» الف ليلة وليلة
1/8/2014, 2:01 am من طرف سعيد خليف
» عنترة العبسي
1/5/2014, 6:30 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» معجم المصطلحات النفسية انكليزي فرنسي عربي
11/24/2013, 1:33 pm من طرف محمد حمد