اليس حريا محابهة العنف بالعقل؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

تتطور الأحداث في الوطن العربي بشكل مأساوي حتى صرنا نعيش في عالم منفلت من الشرعية الدولية ويمارس العنف الذي تحول إلى نوع من الإجرام الجماعي، فصار لازما علينا أن ندرس هذه الظاهرة ونفسر الدوافع إليها تفسيرا منطقيا بدون رفضها غريزيا أو القبول بها بطواعية دون تفكير أو خشية.

إن الانتفاضات العنيفة والمتعرجة التي تحدث في الوطن العربي هي بالفعل مفاجئة ومحيرة وغير واضحة المعالم وقد أدخلت إلى حياتنا عنصرا جديدا من القلق والاضطراب.
فإلى أين تقودنا هذه الانتفاضات؟
هل تقودنا إلى التقدم والارتقاء في سلم الحضارة أم هي مظهر من مظاهر التخلف؟

الواقع الأكيد أنها جاثمة فوق زماننا وهي ترسم عليه نقطة استفهام مخيفة وتحاول أن ترسم لنفسها علامة النصر فوق جثث الضحايا.
يختلف العلماء فيما بينهم حول ما إذا كان العنف سلوكا غريزيا متأصلا في النفس البشرية أو موجودا لدى كافة الناس أم أنه سلوك مكتسب من البيئة الاجتماعية والتربية التي يتلقاها الإنسان والظروف التي تطرأ علي حياته.

هناك أدلة تاريخية تبين مدى تصارع العنف والسلم كسمات أساسية لحياة البشر .
ومن الراهن في عصرنا الراهن أنه صار ممكنا تقييم ظاهرة العنف وتحديد مدى تأثيرها على الفرد والمجتمع.

أما السؤال المطروح بإلحاح فهو:
هل أن البشر يدركون أن بعض الأفعال والممارسات التي تصدر عنهم توصف بأفعال العنف؟
على سبيل المثال يمكن أن نسأل فيما إذا كان الإعدام عقوبة مشروعة أم لا؟ وهل نعتبر أن القائم على تنفيذ حكم الإعدام هو شخص عنيف أو بماذا نصفه؟ وهل الذين نفذوا حكم الإعدام بالرئيس صدام حسين كانوا عنيفين أم لا ؟

من هنا ندرك أن فهم العنف يرتبط بفهم طبيعة العلاقة المتكونة بين الفاعل والضحية. فالعنف ضد المرأة مثلا وبخاصة حق الرجل ضرب زوجته هو تعبير عن السلطان المعطى للرجل انطلاقا من رفعته واعتباره أعلى درجة من المرأة!

كذلك يبرز العنف في عقوبة الرجم وقطع يد السارق وغيرها من العقوبات التي تعتبر ظواهر لمجتمعات وأنظمة تمارس العنف خلافا لشرعة حقوق الإنسان.

وتجدر الملاحظة إلى أن المجتمعات التي تمارس العنف تجنح إلى الحكم الاستبدادي حيث يتفرد بالسلطة حاكم يحكم بما يقضي به هواه.

ومن هذا القبيل كتب عبد الرحمن الكواكبي الذي عانى من الحكم التركي المستبد قال: إن الاستبداد السياسي هو استبداد الجهل على العلم واستبداد الغريزة على العقل.
ويضيف قائلا : إن الله خلق الإنسان حرا قائده العقل ، فكفر وأبى إلا أن يكون عبدا قائده الجهل.
فالمستبد إنسان عاجز لا حول له ولا قوة إلا بأعوانه أعداء العدل وأنصار الجور، كما أن تراكم الثروات المفرطة تولد الاستبداد وتضر بالأخلاق وهي بالتالي أصل لكل فساد .
ويذكر الكواكبي أن المستبد قد يعمد إلى استعمال الدين لحماية نفسه فيقول: " يا بؤساء ، هذا قضاء من السماء لا رد له فالواجب تلقيه بالصبر والرضاء والاتجاه إلى الدعاء فاربطوا ألسنتكم عن اللغو والفضول واربطوا قلوبكم بأهل السكينة والخمول وإياكم التدبير فإن الله غيور وليكن وردكم :اللهم انصر سلطاننا !

وقد تتردد في الأذهان صورة "القرد الذكر العنيف" عند مشاهدتنا لبعض الحكام المستبدين كالمرحوم القذافي مثلا. ولكن يفيدنا علم الاجتماع بأن العنف ضرر يمكن تجنبه عند الوفاء بالاحتياجات للناس في مجتمع معين. وقام بعض العلماء بدحض نظرية "القرد القاتل" باعتبار أن لدينا جميعا الكثير من الأساليب والآليات التي تدفعنا نحو تعزيز التعاون والتحكم في الصراع ضد الاستبداد والسيطرة على العدوان وتوجيهه ثم التغلب عليه. ويستنتج هؤلاء العلماء أن جميع هذه الأساليب والآليات هي من نتاج الفكر والعقل الموجود في داخلنا مثلما موجودة الميول العدوانية. فالعقل ميزة إنسانية وصفة اتصلت إلينا بالوراثة، وهو يتميز بالحركة الديناميكية.

ومن هنا يفشل المستبدون في نهاية المطاف وهم يحاولون تعطيل العقل والقضاء على الفكر. وما الفكر إلا مجمل الأشكال والعمليات الذهنية التي يؤديها عقل الإنسان فتمكنه من خلق نظريات وأنظمة وقواعد تؤلف مجموعها ما نسميه "المعرفة" ومن هذه المعرفة تتولد اليقظة ومنها يقظة الشعوب التي نشهدها حاليا فيما يطلق عليه لقب "الربيع العربي". وقد ينحرف العقل إلى الخيال وقد يحول البعض ربيعنا إلى خريف، إنما الغلبة الحتمية هي دائما للعقل المتيقظ لأن تطور العلوم وانتشار المعرفة من شأنه تضييق رقعة الوهم والخيال وحصره في مجال الشعر والأدب والماورائيات بعيدا عن الأنظمة السياسية ومؤسسات الدولة الحديثة.