فرنسيس بيكون (1561 - 1626)
(سيرته ، كتابه التأسيس العظيم ، كتابه الاورغانون الجديد)
انحدر فرنسيس بيكون (Francis Bacon) من عائلة رفيعة عملت في قصور ملوك إنجلترا وشغلت مناصب مختلفة. درس في جامعة كمبردج منذ سن مبكر (13 سنة)، وتقلب بعد ذلك في مناصب عديدة في الدولة. وكان القانون أهم مجال عمل به طيلة سنين عديدة. حصل بيكون على أحد ألقاب النبالة (Viscount) وأتهم بالرشوة وجُرد من ألقابه وحقوقه بعد إثبات صحتها وسجن لبضع سنوات، وأصدر الملك عفواً عاما، ولكنً حقوقه لم تعد إليه سوى في أيام شارل الأول.
كان بيكون مفكراً متعدد المواهب. فقد خلف آثاراً في مجالات متنوعة: القانون والتاريخ والفلسفة. لكن أهم آثاره الفكرية كانت في حقل الفلسفة وتركت أثراً عميقاً في الفكر اللاحق، خاصة في فكر العديد من المفكرين في إنجلترا وفرنسا. ونخص بالذكر جون لوك ورجال الإنسكلوبيديا (دار المعارف) فيما بعد.
يعتبر مشروع بيكون لكتابة "التأسيس العظيم للعلوم" (The Great Instauration of Sciences) أهم مشروع علمي في حياته. ويعكس المشروع تصور بيكون لما أطلق عليه مفهوم "العلم". رأى بيكون أن "العلم" ينقسم إلى ثلاثة مجالات رئيسية: الفلسفة، والشعر، والتاريخ. وهذه يمكن بدورها تجزئتها إلى ستة حقول. واستطاع بيكون كتابة جزء فقط من هذا المشروع الكبير، وعلل هذا الشكل من التصنيف إلى صلته بالطبيعة الإنسانية: فالفلسفة تعبر عن العقل، الشعر عن قوة التخيل، والتاريخ عن ملكة التذكر (الذاكرة).
ورأى بيكون أن الفلسفة تتألف من ثلاثة مجالات رئيسية منفصلة: معرفة الله والطبيعة والإنسان. وذهب بيكون إلى أن البحث في الطبيعة يتفرع إلى نوعين: المعرفة النظرية والمعرفة العملية. وتشمل المعرفة النظرية للطبيعة معرفة أصل الأشياء والحركات والخواص والأنواع؛ أما المعرفة العملية فتشمل الميكانيكا وأسرارها. وتحتم المعرفة النظرية دراسة الرياضيات، إذ بدون ذلك يستحيل فهم الطبيعة.
ويشير بيكون إلى إحدى غايات معرفة الطبيعة الجوهرية: استخدامها للمنفعة الإنسانية، أو السيطرة على الطبيعة.
وللوصول إلى هذه الغاية الكبرى يحتاج الدارس إلى منهج علمي واضح. وفي هذا المجال وجه بيكون نقداً شديداً لفلسفة العصور الوسطى ولأتباع منهج أرسطو في دراسة الطبيعة. ولم يسلم بعض الاستقرائيين من نقده، رغم أن بيكون دعا إلى منهج استقرائي في البحث، لكنه منهج استقرائي مغاير. ورأى أن عمل الباحث يجب أن يتركز على مراقبة عملية سلسلة الإستقراءات المتواصلة خطوة خطوة.
وللتدليل على ذلك أشار، مثلا، أن (جـ - د) في سلسلة (أ - ب - ج - د) لا يعود سببها بالضرورة إلى (أ - ب) رغم التسلسل الظاهري إلاً بعد سوق جميع الحالات والأمثلة التي تؤكد عدم وجود استثناء، ولو لواحد. كما ويمكن التأكد وإثبات (جـ - د) في (أ - ب) في حال اختفائها عند اختفاء (جـ - د) فقط.
وأرجع بيكون الأخطاء الشائعة في العلوم إلى ما اعتبره ونعته بالأصنام (Idols)، أو الأشباح. كما شك في قدرة البديهة (intuition) على الوصول إلى معارف يقينية. بذلك أرسى بيكون قواعد الاستقراء كمنهج في الوصول إلى المعرفة اليقينية. وترك هذا المنهج أثراً عميقاً في الفلسفة بشكل عام وفي الفلسفة الإنجليزية بشكل خاص.
مختارات من كتاب "التأسيس العظيم"
لو تصفح المرء بعناية كافة أنواع الكتب في الآداب والعلوم، لوجد تكراراً لا نهائَيٍ لنفس الشيء. هناك اختلاف في طريقة المعالجة، لكن لا جديد في المضمون، إلى درجة أن هذا المخزون من الكتب، على كثرته لأول وهلة، تتبين شحته بعد الفحص. أما من حيث قيمته وفائدته، فيجب الإقرار بصراحة بأن الحكمة المستمَدة أساساً من الإغريق هي بمثابة صبا المعرفة ليس إلا، وأنها تتسم بالصفة الرئيسية للصبية: تستطيع الكلام، لكنها عاجزة عن الخلق، وذلك لأنها مثمرة في مجال الخلاف، لكنها عقيمة في مجال الإنتاج. وحالة المعرفة كما هي عليه الآن يمكن أن نرمز لها بالأسطورة القديمة عن سيلا (Seylla) التي لها وجه ورأس عذراء بينما رحمها محاط بالوحوش النابحة التي يتعذر الإفلات منها. وبالمقارنة، فإن العلوم التي تعودناها مواقف عامة تتحلى بحسن المظهر والمداهنة، ولكنها حين تعرض للجزئيات، حيث يتوجب عليها أن تنتج الثمر والأعمال، تَبرز الخلافات والمناظرات الصاخبة، والتي هي نهاية الأمر، وكل القضية الناتجة [عن هذه المواقف العامة].
نصيحتي الأولى (وهي أيضاً دعائي) أن يحصر الناس الحاسة في حدود الواجب فيما يتعلق بالأمور الدينية. فالحاسة مثل الشمس التي تكشف وجه الأرض وتحجب وجه السماء. ونصيحتي الثانية، أن يحرص الناس، إذا تجنبوا هذا الشر، على عدم الوقوع في الشر المضاد، وهم بالتأكيد واقعون فيه إذا ظنوا أن بحث الطبيعة ممنوع أو حرام. لم تكن معرفةُ الطبيعة الخالصة وغير الفاسدة والتي مكنت آدم من منح الأسماء للمخلوقات وفق سلوكها القويم، سببَ السقوط. إن الرغبة الطموحة والمغرورة في الحصول على المعرفة الأخلاقية للحكم في مجال الخير والشر، والتي قد تؤدي بالإنسان إلى معصية الرب وأخذ القوانين بيده، هي التي اتخذت شكل وطريقة الإغواء. أما بصدد علوم الطبيعة فقد أعلن الفيلسوف المقدس أنه "من عظمة الله أن يخفي شيئاً ولكن من عظمة الملك أن يكتشف شيئاً". وكأن الذات الإلهية قد استمتعت برياضة الأطفال، على براءتها ولطفها، وهم يلعبون "الإستغماية"، فتكرمت بالسماح للروح الإنسانية أن تكون شريكتها في هذه اللعبة. وأخيراً، أود أن أوجه نصيحة عامة إلى الجميع: فكروا بالأهداف الحقيقية للمعرفة، اسعوا نحوها ليس من أجل متعة الذهن، أو الخصام، أو التفوق على الآخرين أو الربح، أو الشهرة، أو السلطة، أو أيٍ من هذه الأشياء الدنيئة، وإنما من أجل المنفعة والاستعمال في الحياة، واسعوا إلى إتمامها والسيطرة عليها بالبر والإحسان. لقد سقطت الملائكة من شهوة السلطة، ومن شهوة المعرفة سقط الإنسان. أما في مجال البر فلا مكان للإفراط، وما تعرض ملاك أو إنسان للخطر.
6/8/2023, 9:34 pm من طرف روان علي شريف
» أنا بهذه اللحظة
10/28/2021, 8:01 am من طرف جاك
» على الرصيف
6/13/2020, 5:40 pm من طرف روان علي شريف
» بوابة الجحيم
6/13/2020, 4:58 pm من طرف روان علي شريف
» الكاتب علي شريف روان في حوار لـ"الديوان"
6/28/2019, 5:05 pm من طرف روان علي شريف
» فردوس مليندا المفقود.
3/12/2019, 1:20 am من طرف روان علي شريف
» بدري فركوح
3/4/2019, 11:56 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ليلى العفيفة
3/4/2019, 11:52 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مجموعة مؤلفات محمد حسنين هيكل
1/27/2019, 3:42 pm من طرف نبيل اوزاعي
» ألفية العياط فى النحو
11/9/2018, 3:13 am من طرف محمود العياط
» ديوان إنشق القمر
8/14/2018, 2:05 am من طرف محمود العياط
» ديوان بومبا والاقزام
2/25/2018, 3:39 am من طرف محمود العياط
» بريد الموتى
1/23/2018, 2:35 am من طرف روان علي شريف
» ديوان دحش قرم ودانك
12/21/2017, 4:33 am من طرف محمود العياط
» ديوان حادى يابادى يا كرنب زبادى
10/14/2017, 6:21 am من طرف محمود العياط
» من عجائب الأرقام
5/24/2017, 9:36 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ابن الرومي
5/24/2017, 9:20 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» قصيدة حبك وقلبى
8/13/2016, 11:05 pm من طرف محمود العياط
» الأعشى الأكبر
6/11/2016, 4:17 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مساء الخير
5/2/2015, 8:40 am من طرف السراب
» مي زيادة
4/22/2015, 11:17 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» لبيد بن ربيعة
12/28/2014, 4:44 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» زهير بن أبي سلمى
12/20/2014, 4:32 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» جبران خليل جبران
12/5/2014, 2:16 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» إيايا أبو ماضي
11/5/2014, 2:09 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» حمل برنامح تعلم اللغة الانجليزيه على جهازك المحمول
9/11/2014, 10:04 pm من طرف poopy87
» أوبريت ملحمة تحتمس الرابع ولوحة الاحلام
7/28/2014, 9:41 am من طرف محمود العياط
» سيف الفراق
7/22/2014, 2:59 am من طرف محمود العياط
» ديوان اعشقك جدا
7/22/2014, 2:56 am من طرف محمود العياط
» ديوان الحديث مع النفس البشرية
7/22/2014, 2:54 am من طرف محمود العياط
» عمرو بن كلثوم
6/14/2014, 6:02 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» طرفة بن العبد
5/28/2014, 5:26 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ديوان رصاصة فى قلب الجياد العجوزة
5/20/2014, 10:40 pm من طرف محمود العياط
» شهداء 6 أيار 1916
5/6/2014, 5:45 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» الياس قنصل
4/23/2014, 4:20 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» زكي قنصل
4/23/2014, 4:18 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» فضائية الجزيرة إحدى أسلحة قطر
4/3/2014, 6:05 pm من طرف طالب علي
» إضافة رائعة للفايرفوكس ( ميزة AutoPager ) تجعل كل المواضيع في صفحة واحدة
4/2/2014, 4:47 pm من طرف العـدوي
» محمود درويش مؤلفات ودواوين
3/20/2014, 9:56 pm من طرف wadfay
» حاتم الطائي
3/20/2014, 6:35 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» حكمة اليوم
3/2/2014, 6:03 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» امرؤ القيس
3/2/2014, 5:55 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» محتويات مكتبة الروايات
2/9/2014, 4:26 pm من طرف أريج الورد
» تقديم ديوان رصاصة فى قلب الجياد العجوزة محمود العياط
2/1/2014, 8:33 pm من طرف محمود العياط
» الحارث بن حلزة
1/21/2014, 7:36 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مجموعة من الاغاني النادرة لكاظم الساهر تجدونها عند السراب فقط لا غير
1/19/2014, 10:02 am من طرف mas12ter
» رخصة زواج للمؤجل اداريا
1/8/2014, 9:17 am من طرف anas198510
» الف ليلة وليلة
1/8/2014, 2:01 am من طرف سعيد خليف
» عنترة العبسي
1/5/2014, 6:30 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» معجم المصطلحات النفسية انكليزي فرنسي عربي
11/24/2013, 1:33 pm من طرف محمد حمد