هربرت ماركيوز (1898-1979)
هربرت ماركيوز (Herbert Marcuse) فيلسوف ألماني، فرّ من البطش النازي وعاش في أمريكا بعد عام 1934. كان ماركيوز عضواً في مدرسة فرانكفورت (Frankfurt School) وقد تبنى فكرة التغيير الاجتماعي ودافع عنها دفاعاً كبيرا،ً ولهذا كان في الستينات رمزاً لليسار الجديد، وللعديد من الثوريين في ألمانيا وأوروبا. لقد شكل كتابة "الأيروس والحضارة" (Eros and Civilization)، الذي نشر في عام 1955، محاولة واضحة من قبله للدمج بين أفكار فرويد وماركس.
وقد كان ماركيوز ملتزماً بقضية التحرر الجنسي للاشعور من طغيان العقل الواعي كالتزامه بالتحرر الثوري للجماهير من السيطرة السياسية والاقتصادية للطبقة الرأسمالية الحاكمة.
وقد أشتهر ماركيوز بشكل خاص بسبب تحليله لطبيعة طغيان المجتمع الحديث، حين يكون رأسماليا، كما هو ظاهر في كتابه "الرجل ذو البعد الواحد" (One-Dimensional Man)، الذي صدر في العام 1964، أو شيوعياً كما ظهر في كتابه "الماركسية السوفيتية" (Soviet Marxism) 1958.
وفي المقالة المقتبسة في هذا الكتاب فإن هربرت مركيوز "يعيد النظر في مفاهيم الثقافة وتعريفاتها، ليكشف جانب العنف الخبئ تحت رمزياتها الاستعمالية، من اجل إعادة نظر جديدة في تعريف حقيقي للثقافة يتطابق فيها كل من الدلالة والممارسة، في ظل مجتمع التقنية والاستهلاك، ويجب ألا يغرب عن بالنا أن هذا الفيلسوف وجه نقده خاصة للمجتمع الأمريكي باعتباره النموذج الأعلى لحضارة التقنية المعاصرة. وهو لذلك عندما يتعرض لنقد الأنظمة التربوية والجامعية، فهو يقصد بالطبع تلك السائدة في أميركا حوالي منتصف هذا القرن. ونذكر هنا أن أفكار هذا الفيلسوف كانت ميثاقاً لثورة الطلاب والمثقفين التي أسقطت عصر فيتنام في أمريكا وتسببت في تغيرات واسعة في شؤون الثقافة والأنظمة الجامعية، وكانت شعارات كذلك لثورة الجامعيين في أحداث أيار- مايو 1968 في باريس وفيما سمي بثورة الطلاب في الغرب كله".
ماركيوز : ملاحظات حول تحديد جديد للثقافة
إنني أنطلق من تعريف قاموس وبستر (Webster) الذي يقول إن الثقافة هي مجموعة معينة من الاعتقادات والآراء، والفتوحات والتقاليد، التي تؤلف "خلفية" مجتمع ما. وتُستثنى عادة من المفهوم التقليدي "فتوحات" مثل التدمير والجريمة، كما تستثنى "تقاليد" مثل القسوة والتعصّب. وسأقتصر على هذا الاستعمال، على الرغم من أن إعادة إدخال هذه الصفات في التعريف قد تبدو ضرورية. وسيدور كلامنا حول العلاقة بين "الخلفية" (أي الثقافة) و"الأساس": هكذا تبدو الثقافة كمجموعة من الأهداف الأخلاقية والجمالية والفكرية (أي قيم) التي يعتبرها المجتمع غاية تنظيم العمل وتقسيمه وإدارته، أي "الخير" الذي يريد أن يصل إليه بإتباعه نمطاً معيناً في الحياة. فنمو الحريات الفردية والعامة، وتقهقر الظلم الذي يعيق تطور "الفرد" والشخصية، ووجود إدارة فاعلة وعقلانية، كل هذا يمكن اعتباره "قيماً ثقافيةً" تمثل مجتمعاً صناعياً متطوراً (الشرق والغرب على حد سواء لا ينفيان عنها رسمياً صفة القيم).
ونحن لا نُقر بوجود ثقافة (سابقة كانت أم حاضرة) إلا عندما تتحقق أهداف هذه الثقافة وقيمها التمثيلية في الواقع الاجتماعي أو عندما تكون في طور تحققها فيه. ومن الممكن أن توجد فروقات هائلة في أهمية ترجمة هذه القيم في الواقع وملاءمتها له، ولكن الأنظمة العامة المعمول بها في مجتمع معين والعلاقات بين أفراده لا بد لها أن تنطوي على تجانس يسهل كشفه بينه وبين القيم التي ينادي بها هذا المجتمع. فينبغي لها أن تكون قاعدة لتحقيقٍ محتملٍ لهذه القيم. وبعبارة أخرى، ان الثقافة هي أكثر من أيديولوجيا بسيطة. فإذا أمعنا النظر في الأهداف التي تنادي بها الحضارة الغربية وفي توقها إلى تنفيذها، لاستطعنا تعريف الثقافة بأنها عملية "أنسنة" (humanization) تمتاز بالسعي المشترك نحو دوام الحياة البشرية، وتهدئة الصراع من أجل الحياة، أو على الأقل حصره في حدود يمكن مراقبتها، وتدعيم نظام المجتمع الإنتاجي، وتنمية القدرات الفكرية عند البشر، وتخفيف التعديات والعنف والبؤس وإعلائها (sublimation).
ولا بد لنا الآن من أن نوجه انتقادين اثنين:
1.كان "إلزام" الثقافة دوماً خاصية محصورة في "عالم" محدد يتكون من هوية عرق أو أمة أو دين أو نوع آخر من الهويات (الاستثناءات هنا محكوم عليها ان تبقى في حيز الأيديولوجيات).ولقد وجد دائماً عالم "غريب" لم تكن الأهداف الثقافية بالنسبة له ذات قيمة: فمفاهيم العدو، والآخر، والغريب، والمبعد لا تنطبق بادئ الأمر على الأفراد، بل على الجماعات والأديان وأنماط الحياة والنظم الاجتماعية. وتُوضع الثقافة "بين مزدوجتين" أمام العدو (الذي قد يبرز أيضاً من داخل العالم ذاته) وهي قد تُمنع عنه حتى، فتجد بذلك البربرية لها طريقاً مرسوماً بشكل تام.
2.لا يمكن تعريف الثقافة بعملية "الأنسنة" إلا إذا استبعدت القسوة والتعصب والعنف غير "المستعلي" (non sublime). غير أن هذه القوى (ومؤسساتها) يمكن أن تؤلف جزءاً مكوناً للثقافة، لدرجة أن بلوغ أهداف الثقافة أو الاقتراب منها يتم عن طريق القسوة والعنف.
هذا ما يفسر التناقض في كون "الثقافة الغربية العليا" احتجاجاً رفيع المستوى ضد الثقافة، واتهاماً لها وإنكاراً، ليس فقط من جراء ترجمتها البتراء في الواقع بل بسبب مبادئها الداخلية وبسبب مضمونها أيضاً.
إن اختبار ثقافة معينة في هذه الظروف ينطوي على طرح سؤال حول العلاقات بين القيم والأفعال، وذلك ليس لكونه مسألة منطقية أو متعلقة بنظرية المعرفة فحسب، بل لأنه مسألة تتعلق بالبنية الاجتماعية: ما هي العلاقة بين إمكانات المجتمع والأهداف التي يسلم بها؟ ان الأهداف محددة في الظاهر "بالثقافة العليا" المقبول بها (اجتماعياً). وهي تمثل بذلك قيماً يجب أن تتجسد على نحو وافٍ في المؤسسات والعلاقات الاجتماعية. ونستطيع إذن ان نصوغ سؤالنا بكلمات أكثر وضوحاً:
ما هي العلاقة بين أدب مجتمع ما وفنه وفلسفته ودينه وبين الممارسة العملية لها في المجتمع؟ نظراً لضخامة هذه المسألة لن نستطيع مناقشتها إلا في إطار بضع فرضيات تستند إلى بعض نزعات التطور المعاصر.
لقد اتفقت الآراء بشكل واسع في المناقشات التقليدية على أن العلاقة بين الأهداف الثقافية والوسائل الفعلية ليست متطابقة تماماً (ولا تستطيع أن تكون كذلك؟) وأنها نادراً ما تكون متآلفة. ولقد اتضح هذا الرأي في التمييز بين "الثقافة" و"الحضارة" : فالثقافة تعود إلى مستوى عال من استقلال الإنسان وتكامله في حين تخص الحضارة ميادين الحاجة والعمل والسلوك التي يقتضيها المجتمع والتي لا يكون الإنسان فيها فعلاً منسجماً مع ذاته متحداً مع جوهره الخاص، بل على العكس من ذلك يكون الإنسان فيها تبعياً (heteronomous) متعلقاً بالظروف والحاجات الخارجية. ثم إن ميدان الحاجة قد يكون مصغراً (وهذا ما يقع غالباً). فمفهوم التطور لا ينطبق في الواقع إلا على التقدم الحضاري. ولكن تطوراً كهذا لم يلغ التوتر القائم بين الثقافة والحضارة. بل يحتمل ان يكون قد قوى هذا التفرع الثنائي، لأن الإمكانات الهائلة التي يقدمها التطور التقني تتناقض اكثر فأكثر مع إنجازاتها المحدودة والمشوهة. لأن الثقافة تُدمج بشكل منظم مع الحياة اليومية والعمل، لدرجة أنه يمكننا التساؤل ما إذا كنا نستطيع ان نحافظ على التمييز بين الثقافة والحضارة، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الميول المسيطرة في المجتمع الصناعي المتقدم؛ وبشكل اكثر دقة، يمكننا التساؤل ما إذا كان التوتر القائم بين الهدف والوسيلة، بين قيم الثقافة والواقع الاجتماعي، قد أبطله امتصاص الوسائل للأهداف. ألم تنصهر مرة الثقافة والحضارة انصهاراً سابقا لأوانه وقمعيا وعنيفا، انصهارا ساهم في إضعاف القوى التي كانت تنجح في كبح جماح الميول التخريبية؟ إن دمج الثقافة بالمجتمع يجعل المجتمع "تسلطياً" (totalitarian)، ولو أنه لا يزال يحتفظ بأشكال ومؤسسات ديمقراطية. ونستطيع أن نبين على الشكل الآتي بعضاً من العلاقات الضمنية بين الثقافة والحضارة:
حضارة ثقافة
عمل مادي
عمل فكري
يوم عمل
يوم راحة
عمل
وقت الفراغ
ميدان الضرورة
ميدان الحرية
طبيعة
فكر
تفكير عملياتي
تفكير غير عملياتي
6/8/2023, 9:34 pm من طرف روان علي شريف
» أنا بهذه اللحظة
10/28/2021, 8:01 am من طرف جاك
» على الرصيف
6/13/2020, 5:40 pm من طرف روان علي شريف
» بوابة الجحيم
6/13/2020, 4:58 pm من طرف روان علي شريف
» الكاتب علي شريف روان في حوار لـ"الديوان"
6/28/2019, 5:05 pm من طرف روان علي شريف
» فردوس مليندا المفقود.
3/12/2019, 1:20 am من طرف روان علي شريف
» بدري فركوح
3/4/2019, 11:56 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ليلى العفيفة
3/4/2019, 11:52 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مجموعة مؤلفات محمد حسنين هيكل
1/27/2019, 3:42 pm من طرف نبيل اوزاعي
» ألفية العياط فى النحو
11/9/2018, 3:13 am من طرف محمود العياط
» ديوان إنشق القمر
8/14/2018, 2:05 am من طرف محمود العياط
» ديوان بومبا والاقزام
2/25/2018, 3:39 am من طرف محمود العياط
» بريد الموتى
1/23/2018, 2:35 am من طرف روان علي شريف
» ديوان دحش قرم ودانك
12/21/2017, 4:33 am من طرف محمود العياط
» ديوان حادى يابادى يا كرنب زبادى
10/14/2017, 6:21 am من طرف محمود العياط
» من عجائب الأرقام
5/24/2017, 9:36 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ابن الرومي
5/24/2017, 9:20 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» قصيدة حبك وقلبى
8/13/2016, 11:05 pm من طرف محمود العياط
» الأعشى الأكبر
6/11/2016, 4:17 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مساء الخير
5/2/2015, 8:40 am من طرف السراب
» مي زيادة
4/22/2015, 11:17 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» لبيد بن ربيعة
12/28/2014, 4:44 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» زهير بن أبي سلمى
12/20/2014, 4:32 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» جبران خليل جبران
12/5/2014, 2:16 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» إيايا أبو ماضي
11/5/2014, 2:09 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» حمل برنامح تعلم اللغة الانجليزيه على جهازك المحمول
9/11/2014, 10:04 pm من طرف poopy87
» أوبريت ملحمة تحتمس الرابع ولوحة الاحلام
7/28/2014, 9:41 am من طرف محمود العياط
» سيف الفراق
7/22/2014, 2:59 am من طرف محمود العياط
» ديوان اعشقك جدا
7/22/2014, 2:56 am من طرف محمود العياط
» ديوان الحديث مع النفس البشرية
7/22/2014, 2:54 am من طرف محمود العياط
» عمرو بن كلثوم
6/14/2014, 6:02 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» طرفة بن العبد
5/28/2014, 5:26 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ديوان رصاصة فى قلب الجياد العجوزة
5/20/2014, 10:40 pm من طرف محمود العياط
» شهداء 6 أيار 1916
5/6/2014, 5:45 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» الياس قنصل
4/23/2014, 4:20 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» زكي قنصل
4/23/2014, 4:18 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» فضائية الجزيرة إحدى أسلحة قطر
4/3/2014, 6:05 pm من طرف طالب علي
» إضافة رائعة للفايرفوكس ( ميزة AutoPager ) تجعل كل المواضيع في صفحة واحدة
4/2/2014, 4:47 pm من طرف العـدوي
» محمود درويش مؤلفات ودواوين
3/20/2014, 9:56 pm من طرف wadfay
» حاتم الطائي
3/20/2014, 6:35 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» حكمة اليوم
3/2/2014, 6:03 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» امرؤ القيس
3/2/2014, 5:55 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» محتويات مكتبة الروايات
2/9/2014, 4:26 pm من طرف أريج الورد
» تقديم ديوان رصاصة فى قلب الجياد العجوزة محمود العياط
2/1/2014, 8:33 pm من طرف محمود العياط
» الحارث بن حلزة
1/21/2014, 7:36 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مجموعة من الاغاني النادرة لكاظم الساهر تجدونها عند السراب فقط لا غير
1/19/2014, 10:02 am من طرف mas12ter
» رخصة زواج للمؤجل اداريا
1/8/2014, 9:17 am من طرف anas198510
» الف ليلة وليلة
1/8/2014, 2:01 am من طرف سعيد خليف
» عنترة العبسي
1/5/2014, 6:30 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» معجم المصطلحات النفسية انكليزي فرنسي عربي
11/24/2013, 1:33 pm من طرف محمد حمد