حول المائدة المسـتديرة

حول المائدة المستديرة

يقال بأنّ المراة كثيرة الشّـكوى وان تراضيها من قبل الرّجل ليس بالأمر الهيّن , في اعتقادي ان السّبب في ذلك يعود الى عدم فسحِ المجال لها كانسان لها الحقّ في التعبير عن مدركاتها و تدبير أمورها والقيام بمهامها الشّـخصيّة في كلّ ما هو من صلب اختصاصها تماماً كما للرّجل اختصاصاته التي أُنيطت به كانسان داخل بنيةٍ اجتماعيةٍ منـَظـَّمة وهي الأسرة ولكن هو لايكتفي بممارسة ما يخصّه فقط فهو يمارس معه اختصاصات المرأة أيضاً , وحين تجد المرأة ان الرّجلَ يقوم مقامها ويحلّ محلّها ليتحدث باسمها ويقرر عنها ويقترح بشأنها كلّ ما يخصّها دون أن يأبه بانّ ذلك قد يَشلّ تفكيرها وتُفقدِها الثقة بنفسها لتتحول تدريجيّـاً الى شخص قليل الحيلة ضعيف الارادة وهي ربّما في حقيقتها ذات تفكير مرتّب و سليم بل وأحياناً تكون صاحبة عقلٍ مبدع لادارة شؤونها الشخصيّة والاجتماعية والاقتصاديّة داخل الأسرة وخارجها , وحتى في مكان عملها اذا كانت امرأة عاملة فهي عموماً تعاني من التجاهل و عدم منحها الفرصة والثقة في مواقف مختلفة غضون العمل , الرّجل في مجتنعنا الشّرقي اذ يعتبر نفسه الباني الحقيقيّ والممّول الأساس للحياة الأسريّة لذا يعطي لذاته حقَّ ما لا يحِقُّ له, ويقرّر المصائر حسب رؤيته المستقبليّة للأمورِ الخاصّة بأفراد أسرته والمتشدّد منهم يرى بأن له الحقّ في الخروح الى الشارع وقضاء الوقت في الكازينوهات والأماكن العامّة لساعاتٍ طوال يجالس أقرانه ويتحدث كسيّدَ بيته وراعي امورهم جميعاً ويتحدث عنهم وكانه هوالآمر الناهي والعقل المفكّر الأوحد بينهم كمّا لو كنا في عقد الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي , لا انتقص لاسامح الله من دوره كأب ولكن المسؤليّة تحتّم عليه ان يكون أباً رؤوفاً وصديقاً قريباً من أولاده لا حارساً ورقيباً عليهم , ثمّ انّه ينظر الى المرأة كأنثى فحسب عاجزة عن التفكير الانسانيّ السّديد و السّعي لتدبير الأمور والحفاظ على نفسها وحلّ ما يصادفها من المشاكل الحياتيّة لذا فهو يرى بأنه لا صالح في استشارتها والأخذ برأيها سيّما اذا كانت ربةُ بيتٍ أميّة ويحاسبها على كل صغيرة وكبيرة أو أي خطأ حتى لو كانت براء من ذلك الخطأ وهناك مثلٌ عندنا يقول بان الرّجل االمتحجّج لو وقع حجر من الأعالي يُنسِبه الى زوجته , انّ هذه النظرة الدّونيّة نابعة من التقاليد التراثية الباليّة لمجتمع قد مضى عليه دهوراً ونحن في وقت اكثر ما نحتاج فيه هو حاجتنا الى بعضنا كأفرادٍ وكأُسَرٍ تُعتبرحقّاً نواة لمجتمعات انسانيَة , وفي رأيى ان الرجل بدلاً من الترنّح بأعبائه وكتمانه الشعورَ بالتعب تحت هكذا حملٍ ثقيلٍ على عاتقه لو يسعى لتعليم اولاده من الجنسين تحملَّ المسؤليّة الحيّاتيّة معه ومساعدته لتخفيف الحمل عنه في شتّى امورهم اليوميّة كأسرة لكان أفضل له ولهم فهو بذلك يعلّمهم ما ينبغي أن يتعلّموه لمواصلة الحياة وبذلك يكون صديقاّ لهم لا سيّداّ عليهم فالنجاح غالباً ما تاتي من الثقة الممنوحة من الطرف المقابل , أي نعم أن المرأة غير المتعلمة غالباً ما لا يمكن الاعتماد عليها في الحسّاس والدّقيق من المسائل ولكن بدلاً من اهمالها واشعارها بالنقص فليأخذ الرّجل بيدِها وليُساعدها على تعلّم الشئ وليس هناك عقلٌ سليم لا يستوعب المعرفة الحياتية حتّى لوكان نسبيّـاً فالأمر حتماً في نطاق الامكان والممكن والمصيبة الكبرى في مجتمعاتنا أنه حتى لو أبدى رجلٌ ما مرونة وطِـيبة لأهل بيته خصوصاً اتجاه زوجته فالآخرون من أبناء الحلال لو علموا بذلك لا يَـدَعونه وشأنهُ ينعمُ بالوئام والوفاق بين أفراد أسرته , تراهم يُخرجونه من عالمه الآمن الطيّب ليضعوه على جادة اللامبالاة كي يبدأ أسلوبَ تعامله على الأساس التسلط والسّيادة الأبوية , انّني منذ نعومة أظفاري وعبر المراحل المختلفة لدراستي ثمة سؤالٌ يـُلَح علي دون جواب ألا وهو... تُرى مَن هو المقرِّر الأصليّ في توزيع الأعمال الأسريّة لكلّ من الرجل والمرأة في بلداننا الشرقيَة وبالأخص الشرق الأوسطيّة حيث سلّمتْ بها المرأة المغبونة دون أدنى نقاش , وما قرأته أنا في كتب التاريخ عبر عصور مختلقة تدلي بأن المرأة لم تكن تعيش سابقاً مخدوعة كما هي الآن في ظل وحماية الرجل صاحب الايحاء الرّجعي والقبلي خلف واجهة العولمة وعوالم التقنيّات المعاصرة لانتقاص شؤونها ككائن منتِج - لا أقصد انتاج الأطفال حتماً - بل انتاج ما يحتاجه الفرد المتحضر من المتطلبات المدينيّة في جميع ميادين العمل المختلفة , طبعاً توصلت أنا لجواب السؤال المحيّر بعد سنوات من تجربة الحياة الأسريّة ولآنه منظور شخصيّ فطرحه قد لا يكون في صالحي حاليّاً على الأقل , نجد الرّجل ينادي من وراء مكتبه الفخم وضمن مركزيته الوظيفيَة سواء كان رجلِ أدبٍ أو سياسة أو علم .... الخ يتكلّم وكأنّه مؤمن بحقّ المرأة في المساواةِ وأيضاً حرية العمل بمفهومه الشّامل أسوةً بالرّجل , انّه لا يفعل ما يفعله عن طِـيب خاطر والصحيح هو انّه مُطالَبٌ من العالَم لعصريّ المتمدن أن يتفوهَ بما حُدِّد له من عباراتٍ مُنمّقة حول الموضوع للتظاهر بمظهر المثقف المتقدم والشخص المناسب في مكانه تماماَ , وما أن يبارحَ كرسيّه فهو شخصٌ آخر مختلف في خِطابهِ الفكريّ حيثما يذهب ْ حتّى وهو في أرجاءِ بيته قد ينسى او ربّما يتناسى كلّ ما نادى به , ومع كلّ ما قيلَ من كلام فالوقت لا يزال أمامنا كي نُـكمِل بعضنا ونجلسَ رجلاً و إمرأة جلسةً اجتماعيّة حول المائدةِ المستديرة ... أنا أؤمن فعلاً بأن على كلّ امرأة الد فاع عن حقوقها بنفسها وهي الوحيدة القويّة اذا قرّرت في امرها والاصرارعلى حقوقها والقادرة على أخذها بطرق الحوار والتفاهم احياناً أو بطرق نظاميَة مدنيَة مشروعة بدلا من اللجوء الى المنظمات النسائيّة - مع احترامي لتجمعهم -والانتظار الممّلّ لما هو غير معلوم , للأسف فهم لاحول لهم ولا قوّة و ليسوا صُنّاع الحقوق في مجتمعاتنا الشّرقيّة والقضيّة أكبر من شعاراتهم وهتافاتهم بكثير .