قصة عربية.. زمن للحب
مع الدوران المنتظم لأضلاع المروحة المدلاة من السقف كان الهواء يرف فوق الجالسين إلى السفرة بفسحة شقة من الطابق الثالث بالمنزل 22 بشارع حبشي بحدائق القبة عندما جاش صدر محمد فتحي بانفعال شديد وأطبق شفتيه بصمت على قلبه ثم شملته رعدة على الكرسي ارتجف لها جسمه كله بشدة مرة، ومرة ثانية. وفتح الجميع عيونهم إلى آخرها منتفضين من أماكنهم يتابعون بنظرات الدهشة جسمه المضطرب وهو يهوى متخضبا على الأرض.
ووقعت المعجزة التي لم يكن لأحد أن يتخيل إمكان حدوثها: فقد اختفى محمد فتحي دون أن يترك وراءه أثرا: في البداية تبخرت ذراعاه وساقاه ثم بطنه فصدره ورأسه في عمود رقيق من الدخان، ولم يبق منه على الأرض أمام الجميع فوق البلاط سوى وشاح من الرماد كالظل الخفيف لم يلبث أن تبدد تحت دفقة عابرة مرت فوقه من هواء المروحة المدلاة من السقف. وتطلعت أم نوال لأعلى بنظرة جمدها الذعر الأبكم، ولحقها يحيى مبهوتا بعينين بيضاوين من الذهول.
لكن قصة هذه الظهيرة من أبريل نشأت قبل ذلك: حينما كان محمد فتحي في طريقه لبلدته كفر محمود فتعمقت دهشته لأنها كانت تقطر بسمرة المغيب إن زارها صباحا أو ظهرا أو ليلا ـ كأنها لم تعد تعرف وقتا آخر سوى لحظة المغيب، ولأنه وهو يقطع الطريق بمحاذاة الترعة صوب الدار كان يلتقي بفوزي كل مرة بقامته الطويلة المسحوبة ومشيته المسالمة ومن ورائه جاموسته التي ترفع إليه عينين واسعتين معذبتين بصبر راضخ رقيق. ولا يلبث بعد ذلك مباشرة أن يصادف الشيخ حمدي ـ مهرولا كل مرة في الاتجاه الآخر تحت الجميزة الضخمة التي تحتضن المسجد ـ فيلقي الشيخ السلام عليه دون أن يتطلع نحوه. وفي هذه المرة، والمرات السابقة كلها، كان يلمح نعمة وهو يدور يمينا مع الطريق الضيق المترب منحنية تضخ الماء دائما من طلمبة الحوش في نفس الدورق النحاسي. وكانت ترفع رأسها لحظة فتبتسم له كل مرة نفس البسمة الملغزة المفعمة بالدفء، ثم تنحني ثانية على الطلمبة. وسيمشي قليلا بعد ذلك فلا يلتقي بأحد إلى أن يهف عليه نفس المزيج الأسطوري من مخاض الطين وأسرار اللقاح الهائمة تحت قمر مكتمل، فيواصل سيره وحده بين الأرض والسماء حتى ليشعر كأنه ظل لحقيقة أخرى سرعان ما يزول. ثم ينبح كلب بعيدا مرة، ومرة، ثم يرقد ضجرا تحت شجرة مهملا المغربية للسكون. وفي هذه اللحظة سيجد نفسه كما في المرات السابقة واقفا أمام الباب الخشبي القديم لدارهم فيتريث ثواني قبل أن يدلف: الآن سوف يستقبله والده الحاج عبدالرسول كما لاقاه أربع مرات متتالية من قبل دون أن يبدل شيئا من جلسته أو حديثه أو حركات يديه في الهواء. متربعا بنفس الجلباب على نفس الكنبة تتوالى كلماته بنفس التسلسل عن الشوطة التي التهمت نصف فراخ المزرعة. وحينما ينتهي من شكواه سيلتفت لعمق الدار ويصيح مستعجلا العشاء بعين التعبير الملول.
وحينئذ سينهض هو مستأذنا مستغربا كل ذلك لينصرف. غابت عيناه في الباب الخشبي العتيق ثم استدار عائدا على نفس الطريق إلى مخارج البلدة ومنها لموقف الميكروباص على سكة السفر، مقررا ألا يعود للكفر قبل أن يدرك السر فيما يتراءى له من صور تعيد خلق نفسها.
واستغرقه التأمل فيما جرى له ـ أثناء جلسته أمام التلفزيون بشقته وخلال أحاديثه مع زوجته نوال وابنهما محمود، وفي فترات الراحة التي تخللت عمله بإدارة المبعوثين.
وانتبهت نوال وهي تعقص شعرها أمام مرآة الحمام إلى أنه على غير عادته. تأملته باستغراب لكنها لم تعقب بشيء. أما هو فانزلق بجسمه إلى ماء الحمام الدافىء منصرفا إلى نفسه يظن أنه قد يجد تفسيرا للقرية الناعسة المتكررة إن هو أمعن الفكر في ذلك. لكنه أفاق بعد أيام معدودة وهو في طريقه لشغله بمجمع التحرير إلى أن وجوه ركاب الأوتوبيس "44" لم تعد تتبدل صباحا بعد الآخر على مدى أسبوع كامل، لاحظ ذلك بتشكك في البداية، وخال أول الأمر أن شيئا قد اختلط عليه، فحد من ذاكرته يحفظ ملامح الوجوه من حوله كل مرة إلى أن يراها أمامه وهو مغمض العينين حتى أيقن أنها نفس الوجوه التي تعاود الظهور له في اليوم التالي. ثم أعيته تفاصيل أكثر دقة كتلك المرأة التي تزاحمه كل يوم بين نفس المقعدين بلحمها المكتنز وفستانها الأصفر الفاقع.
ربما كانت المصادفة وحدها وراء كل ذلك. ولكن أكانت مصادفة أيضا أن يبدأ عمله كل يوم باستدعاء المدير له، ودخوله إلى مكتبه فإذا بالرجل منتفخ في مقعده قابض على سماعة التليفون وهو يجزم: "إدارتنا ـ أقسم بالله ـ في أمس الحاجة لخبرة رجال كهذا الرجل". كم تتابعت هذه الكلمات بنصها ما إن تصل قدماه لمنتصف السجادة. وقد جرب ذات يوم أن يتلكأ عند استدعاء المدير له، فتمشى ببطء بين ممرات الطوابق التي عجت بأصحاب المصالح، ثم عرج على قسم المالية واتصل بنوال من مكتب عزت، ومر بعد ذلك علي دورة المياه ومنها إلى مكتب البريد فظل برهة به ليكسب بعض الوقت، وبعد ذلك فقط صعد إلى غرفة المدير بثبات وتصميم، لكن نفس العبارة بنفس النبرة دوت في أذنيه ما إن وطأ منتصف السجادة العتيقة.
كانت وجوه المترددين على المكاتب وحدها تتغير وتتجدد معها أمام عينيه الأوراق والملفات بأسماء المبعوثين لمنح دراسية في الخارج: ملف المطلوب وضعهم تحت الإشراف العلمي للدولة، وملف الذين أنهوا دراستهم، وملف المستحقات. وكان يتشبث بتلك اللحظات بكل قوته ويستعيدها إشارة إلى بقاء العقل. لكنه كان إذا نهض من وراء مكتبه ليدخن سيجارة ظهرا، نهض معه على الفور زميله مصطفى سلامة وهو يغمز له بعينه اليسرى ضاحكا. فينسلان من الغرفة واحدا وراء الآخر ويهبطان معا إلى ممر الطابق السادس ويستندان بظهريهما إلى الجدار بالقرب من البوفيه فيقدم مصطفى السيجارة إليه شاكيا: "لو خبط الواحد رأسه في الحائط لكان ذلك شوية على ما يحدث. الهانم عارفة ظروفي كلها، ولما شجعتني بضحكاتها ونظراتها تقدت إلى أهلها أطلب يدها. أتصدق أنهم أفحموني بالرفض. أتصدق؟".
أسبوع كامل أم شهر أم أكثر ومصطفى يردد نفس الحديث على ذات البسطة بنفس البذلة الرمادية إلى أن صاح فيه ساخطا بنظرة حانقة: "ما هذا؟ أما من شيء آخر تقوله؟". وتطلع إليه مصطفى متراجعا بارتباك واضح متلعثما: "شيء آخر من أي نوع؟ أنت تعرف المشكلة، وأن الكثيرات يرفضن الزواج لمجرد أن والدتي تعيش معي في نفس الشقة؟! فهل ألقي بها إلى الشارع في هذه السن؟!". فشاع في وجهه تكذيب مرير واحتد عليه مستاء: "لقد قلت لي كل ذلك من قبل وكررته بحذافيره وأكثر من مرة". وعندما عاد إلى مكتبه أكربه خاطر أسود ملح أمسك بخناقه: "لابد من تقديم طلب إجازة مرضية".
تردد في البداية، لكنه حسم الأمر حينما تذكر أنه عند عودته للبيت كان يرتطم كل يوم قرب مدخل العمارة بقدمين ثابتتين في حذاء كاوتشوك أبيض لصبي لا يبدل موقعه بوجه شارد في الهواء. ولم يكن يدري من أي بيت أو أسرة في الحي نجم له هذا الطارىء الشيطاني. وتضاعف بين جوانحه إحساس كئيب بأن وجوده أمسى وهو في السابعة والثلاثين دورانا لا ينتهي في حلقة مفرغة.
رأى نفسه وهو يكتب طلب الإجازة، ورأى نفسه وهو يوقعه، ثم شاهد كيف أنه مشى إلى غرفة المدير في غيابه ووضع الطلب على مكتبه. وودعه زملاؤه بحرارة وهم يشدون على يده متمنين له سرعة الشفاء، ورافقه عزت ومصطفى إلى باب المصعد وهبطا معه حتى مخرج مجمع التحرير يكرران: قدها وقدود.
ولازم شقته في الطابق الثالث من المنزل 22 بشارع حبشي في حدائق القبة، وعندما مر عليه يومان في بيته دون أن يحلق ذقنه أو يأكل شيئا قالت له نوال: "ليتك ترى وجهك في المرآة، إنك تضمر أمام عيني من لحظة لأخرى فاعرض نفسك على طبيب". هل يصدق الأطباء ويكذب عقله الذي يعي وعينيه اللتين تريان? وهل من دواء يطرد ما تثيره أحداث الأيام الأخيرة من شعور غريب بأنه يعيش حياة مستخدمة وقعت في زمن سابق لرجل آخر استنفدها ثم خلعها يائسا لأول قادم على الطريق؟.
مع الدوران المنتظم لأضلاع المروحة المدلاة من السقف كان الهواء يرف فوق الجالسين إلى السفرة بفسحة شقة من الطابق الثالث بالمنزل 22 بشارع حبشي بحدائق القبة عندما جاش صدر محمد فتحي بانفعال شديد وأطبق شفتيه بصمت على قلبه ثم شملته رعدة على الكرسي ارتجف لها جسمه كله بشدة مرة، ومرة ثانية. وفتح الجميع عيونهم إلى آخرها منتفضين من أماكنهم يتابعون بنظرات الدهشة جسمه المضطرب وهو يهوى متخضبا على الأرض.
ووقعت المعجزة التي لم يكن لأحد أن يتخيل إمكان حدوثها: فقد اختفى محمد فتحي دون أن يترك وراءه أثرا: في البداية تبخرت ذراعاه وساقاه ثم بطنه فصدره ورأسه في عمود رقيق من الدخان، ولم يبق منه على الأرض أمام الجميع فوق البلاط سوى وشاح من الرماد كالظل الخفيف لم يلبث أن تبدد تحت دفقة عابرة مرت فوقه من هواء المروحة المدلاة من السقف. وتطلعت أم نوال لأعلى بنظرة جمدها الذعر الأبكم، ولحقها يحيى مبهوتا بعينين بيضاوين من الذهول.
لكن قصة هذه الظهيرة من أبريل نشأت قبل ذلك: حينما كان محمد فتحي في طريقه لبلدته كفر محمود فتعمقت دهشته لأنها كانت تقطر بسمرة المغيب إن زارها صباحا أو ظهرا أو ليلا ـ كأنها لم تعد تعرف وقتا آخر سوى لحظة المغيب، ولأنه وهو يقطع الطريق بمحاذاة الترعة صوب الدار كان يلتقي بفوزي كل مرة بقامته الطويلة المسحوبة ومشيته المسالمة ومن ورائه جاموسته التي ترفع إليه عينين واسعتين معذبتين بصبر راضخ رقيق. ولا يلبث بعد ذلك مباشرة أن يصادف الشيخ حمدي ـ مهرولا كل مرة في الاتجاه الآخر تحت الجميزة الضخمة التي تحتضن المسجد ـ فيلقي الشيخ السلام عليه دون أن يتطلع نحوه. وفي هذه المرة، والمرات السابقة كلها، كان يلمح نعمة وهو يدور يمينا مع الطريق الضيق المترب منحنية تضخ الماء دائما من طلمبة الحوش في نفس الدورق النحاسي. وكانت ترفع رأسها لحظة فتبتسم له كل مرة نفس البسمة الملغزة المفعمة بالدفء، ثم تنحني ثانية على الطلمبة. وسيمشي قليلا بعد ذلك فلا يلتقي بأحد إلى أن يهف عليه نفس المزيج الأسطوري من مخاض الطين وأسرار اللقاح الهائمة تحت قمر مكتمل، فيواصل سيره وحده بين الأرض والسماء حتى ليشعر كأنه ظل لحقيقة أخرى سرعان ما يزول. ثم ينبح كلب بعيدا مرة، ومرة، ثم يرقد ضجرا تحت شجرة مهملا المغربية للسكون. وفي هذه اللحظة سيجد نفسه كما في المرات السابقة واقفا أمام الباب الخشبي القديم لدارهم فيتريث ثواني قبل أن يدلف: الآن سوف يستقبله والده الحاج عبدالرسول كما لاقاه أربع مرات متتالية من قبل دون أن يبدل شيئا من جلسته أو حديثه أو حركات يديه في الهواء. متربعا بنفس الجلباب على نفس الكنبة تتوالى كلماته بنفس التسلسل عن الشوطة التي التهمت نصف فراخ المزرعة. وحينما ينتهي من شكواه سيلتفت لعمق الدار ويصيح مستعجلا العشاء بعين التعبير الملول.
وحينئذ سينهض هو مستأذنا مستغربا كل ذلك لينصرف. غابت عيناه في الباب الخشبي العتيق ثم استدار عائدا على نفس الطريق إلى مخارج البلدة ومنها لموقف الميكروباص على سكة السفر، مقررا ألا يعود للكفر قبل أن يدرك السر فيما يتراءى له من صور تعيد خلق نفسها.
واستغرقه التأمل فيما جرى له ـ أثناء جلسته أمام التلفزيون بشقته وخلال أحاديثه مع زوجته نوال وابنهما محمود، وفي فترات الراحة التي تخللت عمله بإدارة المبعوثين.
وانتبهت نوال وهي تعقص شعرها أمام مرآة الحمام إلى أنه على غير عادته. تأملته باستغراب لكنها لم تعقب بشيء. أما هو فانزلق بجسمه إلى ماء الحمام الدافىء منصرفا إلى نفسه يظن أنه قد يجد تفسيرا للقرية الناعسة المتكررة إن هو أمعن الفكر في ذلك. لكنه أفاق بعد أيام معدودة وهو في طريقه لشغله بمجمع التحرير إلى أن وجوه ركاب الأوتوبيس "44" لم تعد تتبدل صباحا بعد الآخر على مدى أسبوع كامل، لاحظ ذلك بتشكك في البداية، وخال أول الأمر أن شيئا قد اختلط عليه، فحد من ذاكرته يحفظ ملامح الوجوه من حوله كل مرة إلى أن يراها أمامه وهو مغمض العينين حتى أيقن أنها نفس الوجوه التي تعاود الظهور له في اليوم التالي. ثم أعيته تفاصيل أكثر دقة كتلك المرأة التي تزاحمه كل يوم بين نفس المقعدين بلحمها المكتنز وفستانها الأصفر الفاقع.
ربما كانت المصادفة وحدها وراء كل ذلك. ولكن أكانت مصادفة أيضا أن يبدأ عمله كل يوم باستدعاء المدير له، ودخوله إلى مكتبه فإذا بالرجل منتفخ في مقعده قابض على سماعة التليفون وهو يجزم: "إدارتنا ـ أقسم بالله ـ في أمس الحاجة لخبرة رجال كهذا الرجل". كم تتابعت هذه الكلمات بنصها ما إن تصل قدماه لمنتصف السجادة. وقد جرب ذات يوم أن يتلكأ عند استدعاء المدير له، فتمشى ببطء بين ممرات الطوابق التي عجت بأصحاب المصالح، ثم عرج على قسم المالية واتصل بنوال من مكتب عزت، ومر بعد ذلك علي دورة المياه ومنها إلى مكتب البريد فظل برهة به ليكسب بعض الوقت، وبعد ذلك فقط صعد إلى غرفة المدير بثبات وتصميم، لكن نفس العبارة بنفس النبرة دوت في أذنيه ما إن وطأ منتصف السجادة العتيقة.
كانت وجوه المترددين على المكاتب وحدها تتغير وتتجدد معها أمام عينيه الأوراق والملفات بأسماء المبعوثين لمنح دراسية في الخارج: ملف المطلوب وضعهم تحت الإشراف العلمي للدولة، وملف الذين أنهوا دراستهم، وملف المستحقات. وكان يتشبث بتلك اللحظات بكل قوته ويستعيدها إشارة إلى بقاء العقل. لكنه كان إذا نهض من وراء مكتبه ليدخن سيجارة ظهرا، نهض معه على الفور زميله مصطفى سلامة وهو يغمز له بعينه اليسرى ضاحكا. فينسلان من الغرفة واحدا وراء الآخر ويهبطان معا إلى ممر الطابق السادس ويستندان بظهريهما إلى الجدار بالقرب من البوفيه فيقدم مصطفى السيجارة إليه شاكيا: "لو خبط الواحد رأسه في الحائط لكان ذلك شوية على ما يحدث. الهانم عارفة ظروفي كلها، ولما شجعتني بضحكاتها ونظراتها تقدت إلى أهلها أطلب يدها. أتصدق أنهم أفحموني بالرفض. أتصدق؟".
أسبوع كامل أم شهر أم أكثر ومصطفى يردد نفس الحديث على ذات البسطة بنفس البذلة الرمادية إلى أن صاح فيه ساخطا بنظرة حانقة: "ما هذا؟ أما من شيء آخر تقوله؟". وتطلع إليه مصطفى متراجعا بارتباك واضح متلعثما: "شيء آخر من أي نوع؟ أنت تعرف المشكلة، وأن الكثيرات يرفضن الزواج لمجرد أن والدتي تعيش معي في نفس الشقة؟! فهل ألقي بها إلى الشارع في هذه السن؟!". فشاع في وجهه تكذيب مرير واحتد عليه مستاء: "لقد قلت لي كل ذلك من قبل وكررته بحذافيره وأكثر من مرة". وعندما عاد إلى مكتبه أكربه خاطر أسود ملح أمسك بخناقه: "لابد من تقديم طلب إجازة مرضية".
تردد في البداية، لكنه حسم الأمر حينما تذكر أنه عند عودته للبيت كان يرتطم كل يوم قرب مدخل العمارة بقدمين ثابتتين في حذاء كاوتشوك أبيض لصبي لا يبدل موقعه بوجه شارد في الهواء. ولم يكن يدري من أي بيت أو أسرة في الحي نجم له هذا الطارىء الشيطاني. وتضاعف بين جوانحه إحساس كئيب بأن وجوده أمسى وهو في السابعة والثلاثين دورانا لا ينتهي في حلقة مفرغة.
رأى نفسه وهو يكتب طلب الإجازة، ورأى نفسه وهو يوقعه، ثم شاهد كيف أنه مشى إلى غرفة المدير في غيابه ووضع الطلب على مكتبه. وودعه زملاؤه بحرارة وهم يشدون على يده متمنين له سرعة الشفاء، ورافقه عزت ومصطفى إلى باب المصعد وهبطا معه حتى مخرج مجمع التحرير يكرران: قدها وقدود.
ولازم شقته في الطابق الثالث من المنزل 22 بشارع حبشي في حدائق القبة، وعندما مر عليه يومان في بيته دون أن يحلق ذقنه أو يأكل شيئا قالت له نوال: "ليتك ترى وجهك في المرآة، إنك تضمر أمام عيني من لحظة لأخرى فاعرض نفسك على طبيب". هل يصدق الأطباء ويكذب عقله الذي يعي وعينيه اللتين تريان? وهل من دواء يطرد ما تثيره أحداث الأيام الأخيرة من شعور غريب بأنه يعيش حياة مستخدمة وقعت في زمن سابق لرجل آخر استنفدها ثم خلعها يائسا لأول قادم على الطريق؟.
6/8/2023, 9:34 pm من طرف روان علي شريف
» أنا بهذه اللحظة
10/28/2021, 8:01 am من طرف جاك
» على الرصيف
6/13/2020, 5:40 pm من طرف روان علي شريف
» بوابة الجحيم
6/13/2020, 4:58 pm من طرف روان علي شريف
» الكاتب علي شريف روان في حوار لـ"الديوان"
6/28/2019, 5:05 pm من طرف روان علي شريف
» فردوس مليندا المفقود.
3/12/2019, 1:20 am من طرف روان علي شريف
» بدري فركوح
3/4/2019, 11:56 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ليلى العفيفة
3/4/2019, 11:52 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مجموعة مؤلفات محمد حسنين هيكل
1/27/2019, 3:42 pm من طرف نبيل اوزاعي
» ألفية العياط فى النحو
11/9/2018, 3:13 am من طرف محمود العياط
» ديوان إنشق القمر
8/14/2018, 2:05 am من طرف محمود العياط
» ديوان بومبا والاقزام
2/25/2018, 3:39 am من طرف محمود العياط
» بريد الموتى
1/23/2018, 2:35 am من طرف روان علي شريف
» ديوان دحش قرم ودانك
12/21/2017, 4:33 am من طرف محمود العياط
» ديوان حادى يابادى يا كرنب زبادى
10/14/2017, 6:21 am من طرف محمود العياط
» من عجائب الأرقام
5/24/2017, 9:36 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ابن الرومي
5/24/2017, 9:20 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» قصيدة حبك وقلبى
8/13/2016, 11:05 pm من طرف محمود العياط
» الأعشى الأكبر
6/11/2016, 4:17 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مساء الخير
5/2/2015, 8:40 am من طرف السراب
» مي زيادة
4/22/2015, 11:17 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» لبيد بن ربيعة
12/28/2014, 4:44 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» زهير بن أبي سلمى
12/20/2014, 4:32 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» جبران خليل جبران
12/5/2014, 2:16 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» إيايا أبو ماضي
11/5/2014, 2:09 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» حمل برنامح تعلم اللغة الانجليزيه على جهازك المحمول
9/11/2014, 10:04 pm من طرف poopy87
» أوبريت ملحمة تحتمس الرابع ولوحة الاحلام
7/28/2014, 9:41 am من طرف محمود العياط
» سيف الفراق
7/22/2014, 2:59 am من طرف محمود العياط
» ديوان اعشقك جدا
7/22/2014, 2:56 am من طرف محمود العياط
» ديوان الحديث مع النفس البشرية
7/22/2014, 2:54 am من طرف محمود العياط
» عمرو بن كلثوم
6/14/2014, 6:02 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» طرفة بن العبد
5/28/2014, 5:26 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ديوان رصاصة فى قلب الجياد العجوزة
5/20/2014, 10:40 pm من طرف محمود العياط
» شهداء 6 أيار 1916
5/6/2014, 5:45 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» الياس قنصل
4/23/2014, 4:20 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» زكي قنصل
4/23/2014, 4:18 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» فضائية الجزيرة إحدى أسلحة قطر
4/3/2014, 6:05 pm من طرف طالب علي
» إضافة رائعة للفايرفوكس ( ميزة AutoPager ) تجعل كل المواضيع في صفحة واحدة
4/2/2014, 4:47 pm من طرف العـدوي
» محمود درويش مؤلفات ودواوين
3/20/2014, 9:56 pm من طرف wadfay
» حاتم الطائي
3/20/2014, 6:35 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» حكمة اليوم
3/2/2014, 6:03 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» امرؤ القيس
3/2/2014, 5:55 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» محتويات مكتبة الروايات
2/9/2014, 4:26 pm من طرف أريج الورد
» تقديم ديوان رصاصة فى قلب الجياد العجوزة محمود العياط
2/1/2014, 8:33 pm من طرف محمود العياط
» الحارث بن حلزة
1/21/2014, 7:36 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مجموعة من الاغاني النادرة لكاظم الساهر تجدونها عند السراب فقط لا غير
1/19/2014, 10:02 am من طرف mas12ter
» رخصة زواج للمؤجل اداريا
1/8/2014, 9:17 am من طرف anas198510
» الف ليلة وليلة
1/8/2014, 2:01 am من طرف سعيد خليف
» عنترة العبسي
1/5/2014, 6:30 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» معجم المصطلحات النفسية انكليزي فرنسي عربي
11/24/2013, 1:33 pm من طرف محمد حمد