مدى شمول قانون التحكيم الجديد لاتفاقات التحكيم الناشئة قبل صدوره للمحامي مجد خفاجي

مدى شمول قانون التحكيم الجديد رقم /4/ لعام 2008
لاتفاقات التحكيم الناشئة قبل صدوره
يفترض بالقوانين والمراسيم الصادرة حديثاً أنها تسير بمنحى التطور مواكبة للعصر ، ومنها القانون /4/ لعام 2008 المتعلق بالتحكيم ، حيث أضحى لحل النزاعات عن طريق مؤسسة التحكيم القضائية دور بارز سواء على المستوى الدولي أو العربي أو الوطني .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه : هل إن القانون الجديد كان موفقاً عندما ألغى بمادته رقم 64 المواد من 506 إلى 534 من قانون أصول المحاكمات رقم 84 لعام 1953 المتعلقة بالتحكيم ؟.. وهل ألغاها بالفعل ؟ أم بقيت نافذة المفعول ؟


وبقراءة متأنية لنصوص أخرى من هذا القانون الجديد نجد أن الأمور تسير بمنحى آخر ، ولا بد من تصويب بعض فقراته لكي تنسجم مع الغاية التي تغياها المشرع من إصداره ، باعتباره حركة للأمام لإحداث نقلة تطورية نوعية في مجال تفعيل مؤسسة التحكيم في القطر ، لما لها من انعكاس يجب أن يكون إيجابياً على المسألة القضائية والحقوقية .
ورغم أن كثيراً من مواد هذا القانون بحاجة لمناقشة وتعليق وشرح ، وقد أتصدى لذلك لاحقاً ، إلا أنني آثرت الخوض في ثلاث من مواده فقط ، لما في ذلك من أهمية ، وهي المواد رقم 3 و 64 و 65 منه والمتعلقة باختصاص النظر في مسائل التحكيم السابقة لصدوره ، ما يعني عملياً الإبقاء على المواد الناظمة للتحكيم في قانون أصول المحاكمات لأنها ستحكم كل الاتفاقات التحكيمية المبرمة قبل صدوره والتي ستستمر ربما لعشرات السنوات أو أكثر وفق ما سيتم عرضه أدناه .
فقد نصت المادة 3/1 من القانون /4/ لعام 2008 على أنه :
«ينعقد اختصاص النظر في مسائل التحكيم التي يشملها هذا القانون إلى محكمة الاستئناف التي يجري ضمن دائرتها التحكيم ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى في سورية » .
أما المادة 64 فقد نصت على :
« تلغى المواد من 506 إلى 534 من قانونأصول المحاكمات رقم 84 لعام 1953 وتعديلاته » .
أما المادة 65 فقد نصت على :
« تبقى اتفاقيات التحكيم المبرمة قبل نفاذ هذا القانون خاضعة للأحكام التي كانت سارية بتاريخ إبرامها سواء أكانت إجراءات التحكيم قد بوشرت أم لم تباشر » .
المناقشة :
يتبين من نص المادة 3/1 أعلاه وبمفهوم المخالفة بأن المشرع قد تخيل أن هناك مسائل تحكيم لن يشملها هذا القانون بدليل أنه أورد عبارة (أن الاختصاص ينعقد لمحكمة الاستئناف فقط في مسائل التحكيم التي يشملها هذا القانون) ، وبالطبع فإن ما لا يشمله قانون التحكيم الجديد هي الاتفاقات المنوه إليها بالمادة 65 والمبرمة قبل نفاذه . وهنا تثور مسألة مهمة وهي : ما المقصود تحديداً لكلمة الاتفاقات المبرمة قبل نفاذه ؟ فمن المعلوم بأنه لا يكاد يخلو عقد من اشتراط التحكيم في حال حصول خلاف بين أطرافه ، وهنا يجب أن نميز بين ثلاثة عبارات وهي : (شرط التحكيم - الاتفاق على التحكيم - صك التحكيم) ، وبرغم أنها تبدو للوهلة الأولى أنها متشابهة ومترادفة وجميعها تقع تحت تعبير (الاتفاقات) إلا أن الترتيب الزمني لتاريخ حدوثها يوضح معناها أكثر ، فاشتراط التحكيم بالعقود يقع بزمن سابق لنشوب النزاع أو حصوله بين أطرافه ، ومن الاستحالة زمنياً في هذه المرحلة معرفة ما هي الأمور التي سيتم التحكيم عليها، وإن هذا الشرط التحكيمي لن يظهر لحيز الوجود ويرى النور قبل نشوب نزاع وربما سيبقى كامناً أبد الدهر فلا مجال حيوي ينفذ منه ليصبح واقعاً بدون حصول النزاع ، أما الاتفاق على التحكيم فربما يحدث بين طرفين أو عدة أطراف سواء أوجد شرط تحكيمي أم لا ، والنزاع قد ينشأ الآن ولكن لواقعة عقدية حدثت بالماضي واتفق الأطراف على التحكيم عليها الآن ، وربما إنفاذاً وتوضيحاً لشرط تحكيمي ، ويأتي هذا الاتفاق ليؤكد نية موقعيه على اللجوء لحل الخلاف بطريق التحكيم ، أما الصك التحكيمي فهو إجراء حاسم يأتي غالباً بعد نشوب النزاع بين أطراف عقدٍ ما ليؤكد بشكل قاطع اتفاق أطرافه على التحكيم مع تحديد نطاقه والمواضيع التي سيتم عليها التحكيم مفصلاً ، وربما يشمل الصك أيضاً أسماء المحكمين والقانون الذي يخضع له ... إلخ ... ، وقد يأتي بوجود شرط تحكيم أو بدونه أيضاً ، وغالباً ما ينظم بعد نشوء النزاع لتحديد أبعاده وماهيته وحصرها ، وخاصة أنه لا تحكيم بدون توثيق الاتفاق عليه كتابة سنداً للقانون.
يتبين مما تقدم أن عبارة اتفاقات جاءت مطلقة في القانون الجديد ، والمطلق يجري على إطلاقه ، ما يجعل كل الاتفاقات التحكيمية السابقة لصدور القانون الجديد تخضع للقانون النافذ قبل صدوره أي للمواد من 506 إلى 534 من قانون أصولا المحاكمات رقم 84 لعام 1953 وتعديلاته سواء أكانت اشتراطات تحكيمية أو اتفاقات تحكيمية أو صكوك تحكيمية وفق تفسيرنا المتواضع لها والمنوه إليها أعلاه ، ما يجعل مؤسسة التحكيم وفق القانون القديم حاضرة بقوة ، لا بل إنها السائدة ولأجل غير مسمى قد يمتد لعشرات السنين فكل عقد فيه شرط تحكيمي ولو أنه مؤرخ في عام 1950 مثلاً ولم يثار نزاع بين أطرافه أو خلفائهم حتى عام 2050 فإن التحكيم حينها يخضع للقانون القديم ، وإن القانون الجديد سيبقى معطلاً إلى أن تحصل اتفاقات تحكيمية أو شروط تحكيمية لعقود وحقوق نشأت بعد تاريخ نفاذ القانون في 1/4/ 2008 ، واتفق على تصفيتها بطريق التحكيم ، ولا أعتقد أن هذا الوضع يخدم الهدف من القانون الجديد ، لأن مؤسسة التحكيم القديمة ستسير جنباً إلى جنب وإلى الأبد (أو لحين تعديل القانون الجديد) مع مؤسسة التحكيم الجديدة ، لا بل إن المؤسسة القديمة ستكون هي الأميز والأبرز والأشمل وإلى أجل غير مسمى ، لأن جل النزاعات التي ستصل للتحكيم في الأعوام القادمة ستكون ناجمة عن عقود سابقة بالتاريخ لصدور القانون الجديد ، ولا أعتقد أن القانون الجديد قد هدف أيضاً لبقاء مؤسستان تحكيميتان لمدى غير منظور ، لا بل إن المنطق التشريعي والقانوني يتطلب وضع سقف زمني لانتهاء مفاعيل المؤسسة القديمة للتحكيم المتمثلة بنصوص قانون أصول المحاكمات الصادر عام 1953، وهذا لن يتوفر إن بقيت صيغة النص القانوني الجديد على ما هي عليه .
كما أن إلغاء المواد من 506 إلى 534 من قانون أصول المحاكمات رقم 84 لعام 1953 وتعديلاته وفق المادة 64 من القانون الجديد لا أثر فعلي له على أرض الواقع كون المادة 65 منه أبقت الاتفاقات التحكيمية المبرمة قبل نفاذه تخضع للقانون القديم ، ولما كان السقف الزمني مفتوح (وربما يمتد لعشرات السنوات لا بل المئات إن لم يعدل) ما يعني بقاء نصوص القانون القديم سارية المفعول أيضاً ، وإن النص على إلغائها يتناقض ويتعارض مع نص المادة 65 التي أبقت عليها ضمناً بإبقائها على سريانها وصلاحيتها للنظر بكل ما يتعلق بالاتفاقات التحكيمية التي نظمت في ظل القانون القديم ، ولا أعتقد أن ذلك من غايات المشرع التي قصدها بإنجاز قانون جديد للتحكيم ، وبالطبع فإن الواقع العملي سيتطلب قيد جميع دعاوى التحكيم الناجمة عن اتفاقات التحكيم بالمفهوم الواسع الذي وضحناه أمام ديوان محاكم البداية ولعشرات السنوات، وقد رفض ديوان محكمة الاستئناف المدني بدمشق قيد أي دعوى حتى الآن باعتبار أن كل ما عرض عليه يقع في ظل القانون القديم .
واستناداً لما تقدم ولكي نقدم نتيجة عملية لهذه المناقشة تجعل من نص قانون التحكيم الجديد ... ينسجم مع متطلبات التطور والحداثة وتحقيق القصد والغاية من إصداره ، فإني أقترح أن تعاد صياغة المادة 65 من القانون /4/ لعام 2008 لتصبح على الشكل التالي :


« تبقى اتفاقيات التحكيم المبرمة قبل نفاذ هذا القانون خاضعة للأحكام التي كانت سارية بتاريخ إبرامها إذا كانت إجراءات التحكيم قد بوشرت قبل صدوره ، أما إذا كانت لم تباشر فتخضع لهذا القانون ».
أو : « كل نزاع ينشأ بين طرفين أو أكثر بعد تاريخ نفاذ هذا القانون ويرغبان بحله عن طريق التحكيم استناداً لشرط تحكيمي ثابت بينهم بعقد أو اتفاق ، يخضع التحكيم فيه لهذا القانون ، ما لم يكن قد وقعا صك تحكيم يحدد المسائل التي سيتم التحكيم عليها ثابت التاريخ قبل تاريخ نفاذ هذا القانون » .
وبذلك يصح نص المادة 64 ويكون فاعلاً ، وينتهي العمل بنصوص القانون القديم بسقف زمني ينتهي عملياً بانتهاء آخر تحكيم قائم أو تمت مباشرته قبل صدور القانون الجديد ، ما يفتح الباب لأوسع تطبيق لنصوص القانون الجديد ويمنع من ازدواجية المؤسسات القضائية الناظرة بقضايا التحكيم وتوزعها بين محاكم البداية والاستئناف ، وأعتقد أن هذا بالضبط ما قصده المشرع وتغياه من تحديث قانون التحكيم بإفراد قانون خاص يعنى بها .
ألتمس من قارئي أن يلتمس لي العذر إن لم أصب فيما اجتهدت فيه ، وإن وجد الفائدة فهذا هو المرتجى .
المحامي مجد خفاجي

من فرع دمشق
منقول من موقع مجلة المحامون