بدء سريان قانون التحكيم الجديد/بقلم المحامي الدكتور محمد سامر القطان

بدء سريان قانون التحكيم الجديد/بقلم المحامي الدكتور محمد سامر القطان
محامـ7-8ــون 2009

بدء سريان قانون التحكيم الجديد
خروج عن القاعدة العامة التي تحكم تنازع قوانين الأصول من حيث الزمان !
وازدواجية في تطبيق النصوص التحكيمية الجديدة والقديمة تربك القضاء ورجال القانون

بقلم المحامي الدكتور محمد سامر القطان
مدرس في كلية الحقوق – جامعة دمشق
دكتوراه بالتحكيم من جامعة باريس العاشرة


نصت المادة 66 من القانون رقم /4/ لعام 2008 ، الخاص بالتحكيم في المنازعات المدنية والاقتصادية والتجارية ، على أن : « ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ، ويعمل به اعتباراً من أول الشهر الذي يلي تاريخ نشره » .
كما نصت المادة 65 من نفس القانون على أن : « تبقى اتفاقيات التحكيم المبرمة قبل نفاذ هذا القانون خاضعة للأحكام التي كانت سارية بتاريخ إبرامها سواء أكانت إجراءات التحكيم قد بوشرت أم لم تباشر » .
وبذلك تخرج عن نطاق تطبيق هذا القانون ، وتبقى خاضعة للنصوص التحكيمية القديمة الواردة في قانون أصول المحاكمات ، ليس فقط المنازعات المحالة إلى المحكمين أو هيئات التحكيم عند نفاذه ، بل جميع المنازعات التي ستحال على التحكيم بعد نفاذه إذا كانت تستند إلى اتفاق تحكيمي مبرم قبل نفاذه !
فهل لهذه الازدواجية في تطبيق النصوص التحكيمية مبررات من العدل والمنطق ؟ وهل تؤدي فعلاً إلى تبسيط الإجراءات ، وفق ما توخاه المشرع من إصدار هذا القانون الجديد للتحكيم ، أم أنها ستربك القضاء ورجال القانون ، وتنعكس سلباً على العملية التحكيمية ؟




أولاً – الغاية من القانون الجديد للتحكيم :
نظراً لنماء المعاملات المدنية والتجارية والاقتصادية ذات الصبغة الوطنية ، وتطور التجارة الدولية ، وانتشار عقود الاستثمار ، وتعاظم دور التحكيم كوسيلة رئيسية لفض المنازعات الناشئة عنها، ونظراً للتطور المتسارع في سورية في كافة المجالات الاقتصادية ، فقد خص المشرع السوري التحكيم بقانون مستقل ، « يواكب هذا التطور ويحقق مستلزماته ، ويلبي احتياجاته » ، هو القانون رقم /4/ لعام 2008 ، الخاص بالتحكيم في المنازعات المدنية والاقتصادية والتجارية(1) . وقد حرص المشرع على أن تكفل أحكام هذا القانون « سرعة الفصل في المنازعات عن طريق تبسيط الإجراءات ووضع ضوابط قانونية تكفل الدقة وتتغيا العدالة » .
(الأسباب الموجبة لقانون التحكيم الجديد رقم /4/ لعام 2008) .
وبالمقابل ألغى المشرع المواد من 506 إلى 534 التي كانت تشكل في مجموعها الباب الرابع ، الخاص بالتحكيم ، من الكتاب الثالث من قانون أصول المحاكمات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 84 لعام 1953 .
(المادة 64 من قانون التحكيم الجديد) .
لكن ، وعلى الرغم من أن القانون الجديد قد ألغى هذه النصوص ، إلا أنها ستبقى سارية المفعول وواجبة التطبيق ، ربما ردحاً طويلاً من الزمن ، على كل تحكيم يستند إلى اتفاق تحكيمي (شرط أو صك ...) مبرم قبل تاريخ نفاذ هذا القانون الجديد وعلى كل ما قد ينشأ أو يتفرع عنه من مسائل تطرح على المحكمين أو على القضاء . وما أكثرها ، تلك العقود التي تحتوي على بند أو شرط تحكيمي المبرمة قبل تاريخ العمل بالقانون الجديد للتحكيم !
وجدير بالذكر ، أن القانون الجديد للتحكيم تضمن أحكاماً أعادت تنظيم العملية التحكيمية من بدايتها إلى نهايتها ، وكذلك تنظيم دور القضاء فيها ، وهي تختلف في معظمها عن الأحكام الواردة في قانون أصول المحاكمات .
ثانياً – بدء سريان قانون التحكيم الجديد:
بعد صدور القانون الجديد للتحكيم ، أصبح لزاماً على رجال القانون وعلى العاملين والمهتمين بالقضايا التحكيمية ، من محكمين وقضاة ومحامين ومستشارين ... ، تحديد القانون الواجب التطبيق في كل مرة يعرض عليهم تحكيم أو أي مسألة تتعلق به أو تتفرع عنه ...
وبما أن المادة 66 من القانون رقم 4 لعام 2008، الخاص بالتحكيم في المنازعات المدنية والاقتصادية والتجارية ، نصت على أن : « ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ، ويعمل به اعتباراً من أول الشهر الذي يلي تاريخ نشره » .
وباعتبار أن هذا القانون قد نشر في الجريدة الرسمية – العدد رقم 15 تاريخ 2 نيسان 2008 – فقد أصبح نافذاً اعتباراً من 1/5/2008 .
وبما أن المشرع أبقى اتفاقيات التحكيم المبرمة قبل نفاذ هذا القانون خاضعة للأحكام التي كانت سارية بتاريخ إبرامها (م 65) ، فمن ذلك نخلص إلى أن :
1 – كافة التحكيمات وكافة المسائل الناجمة عن اتفاقيات تحكيم مبرمة قبل تاريخ نفاذ القانون الجديد للتحكيم – أي قبل 1/5/2008 – تبقى خاضعة للنصوص القديمة المتعلقة بالتحكيم الواردة في قانون أصول المحاكمات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 84 لعام 1953 .
2 – وأن كافة المسائل الناجمة عن اتفاقيات تحكيم مبرمة بعد تاريخ نفاذ القانون الجديد للتحكيم – أي بعد 1/5/2008 – تخضع لنصوص التحكيم الجديدة ، التي جاء بها القانون رقم 4 لعام 2008 الخاص بالتحكيم في المنازعات المدنية والاقتصادية والتجارية .
لكن ، على الرغم من هذا الوضوح ، حول تاريخ بدء العمل بالقانون الجديد للتحكيم ، فقد شهدنا ، وسمعنا بعضاً من اللغط والجدل بسبب أن هذا القانون كان قد صدر عن مجلس الشعب بتاريخ 25/3/2008 ، مما أدى إلى اعتقاد البعض ، خطأ ، أن تاريخ نفاذه بدأ من 1/4/2008 ، مع أن المادة 66 منه قضت ، بكل صراحة ووضوح ، بأن : « يعمل به اعتباراً من أول الشهر الذي يلي تاريخ نشره » . لذلك ، وبما أن هذا القانون قد نشر في شهر نيسان ، فإن تاريخ نفاذه بدأ ، كما ذكرنا أعلاه ، في الأول من أيار 2008 .
ثالثاً – تقييم سريان قانون التحكيم الجديد:
إن إبقاء اتفاقيات التحكيم ، المبرمة قبل نفاذ هذا القانون الجديد للتحكيم ، خاضعة للأحكام التي كانت سارية بتاريخ إبرامها (م 65) هو أمر :
1 – يخالف القاعدة العامة بشأن تطبيق النصوص الأصولية أو الإجرائية في الزمان والتي تقضي بأن : « تسري قوانين الأصول على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل بها » (م 1 ف 1 من قانون أصول المحاكمات) .
2 – حتى أن فيه خروجاً على موقف المشرع المصري في قانون التحكيم رقم 27 لعام 1994 ، الذي أخذ عنه المشرع السوري معظم نصوص قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008 ، فقد قضت المادة الأولى من مواد إصدار قانون التحكيم المصري بأن يعمل بأحكام هذا القانون « على كل تحكيم قائم وقت نفاذه أو يبدأ بعد نفاذه ولو استند إلى اتفاق تحكيم سبق إبرامه قبل نفاذ هذا القانون » .
3 – ويؤدي إلى استمرار العمل في سورية بنصوص التحكيم الواردة في قانون أصول المحاكمات (بالنسبة للمسائل التي تتعلق باتفاقيات تحكيم مبرمة قبل نفاذ القانون الجديد) إلى زمن غير منظور ، إضافة إلى العمل بالقانون الجديد للتحكيم (بالنسبة للمسائل التي تتعلق باتفاقيات تحكيم مبرمة بعد نفاذه) . وفي ذلك نرى ازدواجية في تطبيق نصوص التحكيم تُعقِّد من عمل المحكم والقاضي ورجل القانون ... ولا تخدم الأهداف التي ابتغاها المشرع من تبني قانون جديد للتحكيم !
لذلك ، وانسجاماً مع القاعدة العامة التي تحكم

مسألة تطبيق نصوص قوانين الأصول المشار إليها في أعلاه ، نرى أنه كان حرياً بالمشرع السوري أن يحذو حذو المشرع المصري ويطبق أحكام هذا القانون الجديد للتحكيم بأثر فوري من تاريخ نفاذه على جميع القضايا والمسائل التحكيمية التي لمّا يبت بها ، ولو كانت تستند إلى اتفاقيات تحكيمية مبرمة قبل نفاذ هذا القانون .
فقواعد التحكيم تعتبر جزءاً لا يتجزأ من القواعد الأصولية أو الإجرائية ، ليس لأنها وردت في أغلب دول العالم في قانون أصول المحاكمات أو في قانون المرافعات ، بل لها أيضاً طابع إجرائي بحت . فالتحكيم والقضاء يشكلان موضوعين رئيسيين من مواضيع القانون الإجرائي (قانون أصول المحاكمات)، وبالتالي يجب أن ينطبق على القواعد التحكيمية ما ينطبق على القواعد الإجرائية من أحكام تتعلق بحل مشكلة تنازع القوانين من حيث الزمان .
وفي ذلك نعتقد تبسيط وتيسير ينصب من حيث النتيجة في مصلحة التحكيم . إذ ليس من ضرر في تطبيق القواعد الأصولية والإجرائية الجديدة ، ومنها القواعد التحكيمية ، على الوقائع السابقة لتاريخ نفاذها، ما دامت هذه القواعد تهدف إلى حسن سير العدالة ، والإسراع في إيصال كل ذي حق إلى حقه ، وهذا ما ينسجم مع الهدف من إصدار القانون رقم 4 لعام 2008 الخاص بالتحكيم في المنازعات المدنية والاقتصادية والتجارية .
المحامي الدكتور
محمد سامر القطان

منقول من موقع مجلة المحامون