جريمة إساءة الأمانة

جريمة إساءة الأمانة...المحامي الأستاذ وليد مطيران
فرع دير الزور
نصت المادة (656) من قانون العقوبات على ما يلي :
(كل من أقدم قصداً على كتم أو اختلاس أو إتلاف أو تمزيق سند يتضمن تعهداً أو إبراء ، أو شيء منقول آخر سلم إليه على وجه الوديعة أو الوكالة أو الإجارة أو على سبيل العاريّة أو الرهن ، أو لإجراء عمل لقاء أجرة أو بدون أجرة شرط أن يعيده أو يقدمه أو يستعمله في أمر معين يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة تتراوح بين ربع قيمة الردود والعطل والضرر وبين نصفها على أن لا تنقص عن مائة ليرة) .
كما نصت المادة (657) من قانون العقوبات على ما يلي :
(كل من تصرف بمبلغ من المال أو بأشياء أخرى من المثليات سلمت إليه لعمل معين وهو يعلم أو كان يجب أن يعلم أنه لا يمكنه إعادة مثلها ولم يبرئ ذمته رغم الإنذار يعاقب بالحبس حتى سنة وبالغرامة حتى ربع قيمة الردود والعطل والضرر على أن لا تنقص الغرامة عن مائة) .

من استقراء نص هاتين المادتين نستنبط منهما الأحكام التالية :
1 - إن جريمة إساءة الأمانة المنصوص عنها في المادة (656) عقوبات هي من اختصاص محكمة بداية الجزاء بينما جريمة إساءة الأمانة المنصوص عنها في المادة (657) عقوبات هي من اختصاص محكمة صلح الجزاء .
2 - إن جريمة إساءة الأمانة المنصوص عنها في المادة (656) عقوبات لا تشترط الإنذار لأن المشرع لم ينص عليه في نص المادة ، بينما الإنذار شرط أساسي في جريمة إساءة الأمانة المنصوص عنه في المادة (657) عقوبات لأن المشرع نص في هذه المادة على شرط الإنذار .
وقد استقر الاجتهاد :
إساءة الائتمان المعاقب عيها بالمادة 656 ق.ع. هي من الجرائم القصدية والتي تتحقق بالامتناع عن تسليم الأمانة أو إنكارها بعد المطالبة بها دون حاجة للإنذار كما في المادة 657 ق.ع. ولا بد من إثبات النية بشكل واضح وهذا ما استقر عليه اجتهاد حكمة النقض) .
(المجموعة الجزائية لقرارات محكمة النقض السورية خلال ثلاثين عاماً 1949-1980 - الملحق الدوري الثاني لقرارات عام 1982 قا 4017 - أديب استانبولي) .
3 - إن جريمة إساءة الأمانة في كلا الجريمتين، تتضمن حقين : الحق المدني ، والحق الجزائي . فالحق المدني يخضع للقواعد العامة للإثبات كما نص على ذلك قانون البينات . والحق الجزائي يمكن إثباته بكافة طرق الإثبات .
فالمادة (57) من قانون البينات نصت :
يجوز الإثبات بالشهادة في الالتزامات التعاقدية حتى ولو كان المطلوب تزيد قيمته على خمسماية ليرة سورية :
آ - إذا وجد مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي .
- يعتبر مانعاً مادياً أن لا يوجد من يستطيع كتابة السند أو أن يكون طالب الإثبات شخصاً ثالثاً لم يكن طرفاً في العقد .
- تعتبر مانعاً أدبياً القرابة ما بين الأصول والفروع أو ما بين الحواشي إلى الدرجة الثالثة أو ما بين أحد الزوجين وأبوي الزوج الآخر .
ب - إذا فقد الدائن سنده المكتوب لسبب لا يد له فيه .
ج - إذا طعن في العقد بأنه ممنوع بالقانون أو مخالف للنظام العام أو الآداب .
فإذا توافر أي شرط من هذه الشروط المنصوص عنها في جريمتي إساءة الأمانة يجوز الإثبات بالشهادة حسبما عليه النص .
4 - هل يجوز لطرفي دعوى جريمة إساءة الأمانة توجيه اليمين الحاسمة للطرف الآخر ؟
لا يوجد ما يمنع قانوناً أحد طرفي الدعوى بالحق المدني من توجيه اليمين الحاسمة بشأن وجود العقد لدى نظر الدعوى الجزائية . ذلك لأن الدفع الذي يوجهه المتهم بإنكاره هذا العقد يثير مسألة مدنية بحتة تطبق عليها قواعد الإثبات في قانون البينات بدون استثناء وهذا القانون يجيز لكل من طرفي الدعوى توجيه اليمين الحاسمة حول طبيعة السند بشكل مطلق (113 من قانون البينات) .
وقد استقر اجتهاد محكمة النقض على القول في هذا المجال ما يلي :
(حيث إن الطاعن وجه اليمين الحاسمة للمدعي الشخص وصورها ، وحيث إنه لا شيء يمنع من توجيه اليمين الحاسمة للمدعي الشخصي على صحة السند طالما أن القانون حدد أنه إذا كان وجود الجريمة مرتبط بحق شخصي يوجب على القاضي اتباع قواعد الإثبات الخاصة به ، وحيث إن الجرم مرتبط بسند الأمانة لذلك كان على المحكمة أن توجه اليمين الحاسمة من قبل الطاعن للمدعى عليه) .
(مجلة المحامون - العددان 1، 2 لعام 1999) .
5 - إن الأفعال التي يقوم بها المدعى عليه وفق نص المادة (656) عقوبات لكي يعتبر مسيئاً للأمانة هي : الكتم ، الاختلاس ، الإتلاف ، التمزيق . أما الأفعال التي يقوم بها المدعى عليه وفق نص المادة (657) عقوبات لكي يعتبر أنه مسيئاً للأمانة هي : التصرف بمبلغ من المال غير عائد له مسلماً إليه أمانة ، أو التصرف بأشياء من المثليات سلمت إليه لعمل معين (كما لو سلم شخص ما ساعته إلى مصلح الساعات لإصلاحها أو سلم شخص قطعة ذهب إلى الصائغ لمعالجتها وكلاهما تصرف بما سلم إليه ... وهلم جرا ...) .
والتساؤل الذي يطرح نفسه هو : سند الأمانة المحرر بوثيقة خطية والمتضمن مبلغ من المال يندرج تحت مفهوم المادة 656 أو المادة 657 عقوبات ؟
جواب هذا التساؤل : إن سند الأمانة المتضمن مبلغ من المال يندرج ضمن مفهوم المادة (657) عقوبات لصراحة النص (كل من تصرف بمبلغ من المال) .
وإن النص واضح في فحواه ومعناه وليس بحاجة إلى تأويل أو تفسير .
وهذا يعني :
- أن دعوى إساءة الأمانة المتضمنة التصرف بمبلغ من المال (سند الأمانة) تكون من اختصاص محكمة صلح الجزاء وليس من اختصاص محكمة بداية الجزاء.
- يشترط في تقديم الدعوى في هذه الحالة توجيه إنذار قبل إقامة الدعوى ولا تستقيم الدعوى إلا بوجود هذا الإنذار لأن المادة (657) نصت : (... ولم يبرئ ذمته رغم الإنذار ...) .
عكس المادة (656) عقوبات التي لا تشترط الإنذار .
- أن محكمة استئناف جنح المنطقة هي المرجع النهائي لهــذه الدعوى حتى لو حكمت على المدعى عليه
بعقوبة جزائية شهر أو أكثر فيكون قرارها مبرماً غير خاضع للطعن .
دأبت النيابة العامة على تحريك الدعوى العامة بجرم إساءة الأمانة حول التصرف بمبلغ من المال (سند الأمانة) وفق نص المادة (656) عقوبات وإحالتها إلى محكمة بداية الجزاء ، وإن المحكمة المذكورة تشترط وجود الإنذار . والرأي عندي أن هذا الاتجاه خطأ في تطبيق القانون ومفهومه وفق ما سردناه أعلاه .
المحامي
وليد مطيران