كيف استطاعوا الوصول إلى هذه الخرابة ؟! ألح هذا السؤال على خاطره بعد أن ودع الرجل وأغلق الباب خلفه .
المرأة والعيال لن يصدقوا أنهم سيرونه فى التليفزيون .
صحيح أنه أبيض وأسود ولكن صورتها ستكون واضحة ، وسيتعرفون عليه بسهولة .
لن يلوح لهم بيده كما يفعل جمهور كرة القدم ، إنما سيجلس بوقار يتناسب مع بطل .
لقد أنسته السنوات ومتاعب الحياة أنه بطل .
قام يعبث فى أحد أدراج الدولاب .
أخرج صحيفة اصفر ورقها .
نظر طويلاً إلى صورته وإلى اسمه المكتوب تحتها .
وحكت أيضاً عن ساقه التى بترت فى الحرب وكيف لم تقعده عن الرغبة فى مواصلة القتال ، لولا أن أجبروه على الكف .
شعر بالسخونة فى ساقه المبتورة ، وكأنها قد بترت الآن ، وأحس بسخونة الدم النازف. واستعاد الإحساس القديم بأنه على استعداد أن يفقد ساقه الأخرى فى سبيل أن يروى غليله من اليهود.
كان على استعداد لأن يفقد ألف ساق .
ولكن ما أدراك بفقد ساق واحدة ، وعذاب المهانة بها فى المواصلات والزحام .
وعدوه بسيارة معاقين ، ولكن مضت السنوات ولا شىء يأتى.
فى هذه الخرابة لا تأتى سوى المرارة ، وأيام متشابهة ، وامرأة لا تمل من المطالبة بالمال .
المرتب شحيح ، ولولا كشك السجائر بعد الظهر ، لمات الجميع جوعاً .
ولكنه رغم كل شىء بطل سيظهر فى التليفزيون ، ويحكى عن بطولات فى حرب النصر . سيقول فى البرنامج أن ألف ساق ليست خسارة من أجل وطنه .
وسيحكي لهم عن زملائه الذين استشهدوا، وكيف تعيش أسرهم فى ضنك .
سيطالب المسؤولين بمساعدتهم .
ولكن قبل أى شىء لابد من ملابس جديدة لائقة للظهور فى التليفزيون .
سيذهب إليهم بعد الغد ، والأسمال التى يرتديها ربما جعلتهم يطردونه من على باب مبنى التليفزيون .
ولكن الظروف لا تسمح الآن بشراء الجديد ، والمرأة سليطة اللسان لن تسكت ولن يرحم لسانها الحاد .
اقترب من المرأة فى تودد ، وحاول أن يمازحها توطئة لطلبه وجهها الجهم أقنعه بعبث المحاولة .
طفت على وجهه ابتسامة ساخرة مريرة ، عندما جاءه خاطر أن الحرب مع اليهود كانت أسهل من حربه معها من أجل النقود .
قرر الدخول إلى الموضوع مباشرة .
- الظهور فى التليفزيون يحتاج إلى ملابس جديدة .
- وما دخلى أنا بذلك ؟
- سأقترض من مصروف المنزل حتى يفرجها الله .
- المصروف يكفينا بالكاد .
- أعدك برد المبلغ سريعاً .
- لست على استعداد لأن يجوع " عيالى " بقية الشهر من أجل ملابسك الجديدة
حاول معها بشتى الطرق ، لكنها كانت صلدة كصخرة . يأس أخيراً من الاستمرار فى الكلام . قرر أن يكف عن محاولاته ، ويبحث عن طريق آخر .
تذكر شقيقه الأكبر . رجل ميسور الحال . لن يمانع فى إقراضه المبلغ المطلوب ، ولن يطالبه سريعاً برد المبلغ .
عندما عاد من عند شقيقه ، أخفى المال عن عيون المرأة . قرر أن يشترى الملابس فى الصباح . ستفاجئ حتماً بالملابس الجديدة ، وستسأله عن مصدر المال ، ولن يريحها بالإجابة .
فى يوم التصوير ، أخذ إجازة من العمل . ذهب إلى الحلاق ، وعاد عريساً .
حدث نفسه وهو ينظر فى المرآة أن المرأة لو لم تكن تعلم بذهابه إلى التليفزيون ، لظنت أنه سيتزوج عليها اليوم . ولكنه اليوم بالفعل عريس ، أليس هو البطل الذى سيتحدث فى يوم النصر .
عندما عاد من التليفزيون ، كان سعيداً . جلس يحكى للمرأة والأولاد ما قاله فى البرنامج عن المعارك والبطولات والشهداء ، وأيضاً الدبابات الكثيرة التى دمرها . وحكى أيضاً عن ساقه التى بترت وكيف بكى عندما منعوه من مواصلة القتال . أخبر المرأة أن البرنامج سيذاع الأسبوع القادم .
فى ليلة إذاعة البرنامج ، اشترى لهم " اللب " وزجاجات المياه الغازية . لم ينس إخبار كل من يعرفهم بموعد البرنامج . حرص على أن يفتح التليفزيون قبل موعد البرنامج بأكثر من ساعة . لأول مرة فى حياته يشعر بالندم لأنه لا يملك تليفزيون ملون ليرى نفسه وملابسه الجديدة بالألوان الطبيعية .
عندما بدأ البرنامج أمرهم جميعاً بالإنصات وعدم الكلام . فهم من سير البرنامج أن هناك ضيوف آخرين . أسهبت إحدى المطربات فى الحديث عن دورها فى المعركة بالأغانى الحماسية التى رددها الشعب والجنود . وتحدث ممثل شهير عن فيلمه الذى مجد فيه الانتصار ، وعن ضرورة قيام الدولة بتمويل فيلم عن الملحمة العظيمة يليق بحجم الانتصار . وتحدث أحد الضيوف العرب عن تأثير الانتصار على أسعار البترول ، وعن معركة البترول التى شارك فيها كل العرب .
ثم شعر بالاضطراب عندما رأى صورته تظهر على الشاشة , احمر وجهه ، وزاد إيقاع ضربات قلبه , قبل أن يفيق من سكرته ، كان ضيف آخر يتحدث .
فوجئ أن حديثه لم يستغرق أكثر من ثوانٍ .
وبكثير من الغضب اكتشف أن حديثه قد بتر .
لم يأت حديث البطولات ، ولا حكايات الشهداء ، وربما لم يلحظ أحد ملابسه الجديدة .
استند على عكازه ، ومتثاقلاً قام يغلق التليفزيون ، وهو يشعر بآلام حادة تجتاح ساقه المبتورة .
قصة قصيرة بقلم خالد السروجي
مع فائق حبي واحترامي
المرأة والعيال لن يصدقوا أنهم سيرونه فى التليفزيون .
صحيح أنه أبيض وأسود ولكن صورتها ستكون واضحة ، وسيتعرفون عليه بسهولة .
لن يلوح لهم بيده كما يفعل جمهور كرة القدم ، إنما سيجلس بوقار يتناسب مع بطل .
لقد أنسته السنوات ومتاعب الحياة أنه بطل .
قام يعبث فى أحد أدراج الدولاب .
أخرج صحيفة اصفر ورقها .
نظر طويلاً إلى صورته وإلى اسمه المكتوب تحتها .
وحكت أيضاً عن ساقه التى بترت فى الحرب وكيف لم تقعده عن الرغبة فى مواصلة القتال ، لولا أن أجبروه على الكف .
شعر بالسخونة فى ساقه المبتورة ، وكأنها قد بترت الآن ، وأحس بسخونة الدم النازف. واستعاد الإحساس القديم بأنه على استعداد أن يفقد ساقه الأخرى فى سبيل أن يروى غليله من اليهود.
كان على استعداد لأن يفقد ألف ساق .
ولكن ما أدراك بفقد ساق واحدة ، وعذاب المهانة بها فى المواصلات والزحام .
وعدوه بسيارة معاقين ، ولكن مضت السنوات ولا شىء يأتى.
فى هذه الخرابة لا تأتى سوى المرارة ، وأيام متشابهة ، وامرأة لا تمل من المطالبة بالمال .
المرتب شحيح ، ولولا كشك السجائر بعد الظهر ، لمات الجميع جوعاً .
ولكنه رغم كل شىء بطل سيظهر فى التليفزيون ، ويحكى عن بطولات فى حرب النصر . سيقول فى البرنامج أن ألف ساق ليست خسارة من أجل وطنه .
وسيحكي لهم عن زملائه الذين استشهدوا، وكيف تعيش أسرهم فى ضنك .
سيطالب المسؤولين بمساعدتهم .
ولكن قبل أى شىء لابد من ملابس جديدة لائقة للظهور فى التليفزيون .
سيذهب إليهم بعد الغد ، والأسمال التى يرتديها ربما جعلتهم يطردونه من على باب مبنى التليفزيون .
ولكن الظروف لا تسمح الآن بشراء الجديد ، والمرأة سليطة اللسان لن تسكت ولن يرحم لسانها الحاد .
اقترب من المرأة فى تودد ، وحاول أن يمازحها توطئة لطلبه وجهها الجهم أقنعه بعبث المحاولة .
طفت على وجهه ابتسامة ساخرة مريرة ، عندما جاءه خاطر أن الحرب مع اليهود كانت أسهل من حربه معها من أجل النقود .
قرر الدخول إلى الموضوع مباشرة .
- الظهور فى التليفزيون يحتاج إلى ملابس جديدة .
- وما دخلى أنا بذلك ؟
- سأقترض من مصروف المنزل حتى يفرجها الله .
- المصروف يكفينا بالكاد .
- أعدك برد المبلغ سريعاً .
- لست على استعداد لأن يجوع " عيالى " بقية الشهر من أجل ملابسك الجديدة
حاول معها بشتى الطرق ، لكنها كانت صلدة كصخرة . يأس أخيراً من الاستمرار فى الكلام . قرر أن يكف عن محاولاته ، ويبحث عن طريق آخر .
تذكر شقيقه الأكبر . رجل ميسور الحال . لن يمانع فى إقراضه المبلغ المطلوب ، ولن يطالبه سريعاً برد المبلغ .
عندما عاد من عند شقيقه ، أخفى المال عن عيون المرأة . قرر أن يشترى الملابس فى الصباح . ستفاجئ حتماً بالملابس الجديدة ، وستسأله عن مصدر المال ، ولن يريحها بالإجابة .
فى يوم التصوير ، أخذ إجازة من العمل . ذهب إلى الحلاق ، وعاد عريساً .
حدث نفسه وهو ينظر فى المرآة أن المرأة لو لم تكن تعلم بذهابه إلى التليفزيون ، لظنت أنه سيتزوج عليها اليوم . ولكنه اليوم بالفعل عريس ، أليس هو البطل الذى سيتحدث فى يوم النصر .
عندما عاد من التليفزيون ، كان سعيداً . جلس يحكى للمرأة والأولاد ما قاله فى البرنامج عن المعارك والبطولات والشهداء ، وأيضاً الدبابات الكثيرة التى دمرها . وحكى أيضاً عن ساقه التى بترت وكيف بكى عندما منعوه من مواصلة القتال . أخبر المرأة أن البرنامج سيذاع الأسبوع القادم .
فى ليلة إذاعة البرنامج ، اشترى لهم " اللب " وزجاجات المياه الغازية . لم ينس إخبار كل من يعرفهم بموعد البرنامج . حرص على أن يفتح التليفزيون قبل موعد البرنامج بأكثر من ساعة . لأول مرة فى حياته يشعر بالندم لأنه لا يملك تليفزيون ملون ليرى نفسه وملابسه الجديدة بالألوان الطبيعية .
عندما بدأ البرنامج أمرهم جميعاً بالإنصات وعدم الكلام . فهم من سير البرنامج أن هناك ضيوف آخرين . أسهبت إحدى المطربات فى الحديث عن دورها فى المعركة بالأغانى الحماسية التى رددها الشعب والجنود . وتحدث ممثل شهير عن فيلمه الذى مجد فيه الانتصار ، وعن ضرورة قيام الدولة بتمويل فيلم عن الملحمة العظيمة يليق بحجم الانتصار . وتحدث أحد الضيوف العرب عن تأثير الانتصار على أسعار البترول ، وعن معركة البترول التى شارك فيها كل العرب .
ثم شعر بالاضطراب عندما رأى صورته تظهر على الشاشة , احمر وجهه ، وزاد إيقاع ضربات قلبه , قبل أن يفيق من سكرته ، كان ضيف آخر يتحدث .
فوجئ أن حديثه لم يستغرق أكثر من ثوانٍ .
وبكثير من الغضب اكتشف أن حديثه قد بتر .
لم يأت حديث البطولات ، ولا حكايات الشهداء ، وربما لم يلحظ أحد ملابسه الجديدة .
استند على عكازه ، ومتثاقلاً قام يغلق التليفزيون ، وهو يشعر بآلام حادة تجتاح ساقه المبتورة .
قصة قصيرة بقلم خالد السروجي
مع فائق حبي واحترامي
6/8/2023, 9:34 pm من طرف روان علي شريف
» أنا بهذه اللحظة
10/28/2021, 8:01 am من طرف جاك
» على الرصيف
6/13/2020, 5:40 pm من طرف روان علي شريف
» بوابة الجحيم
6/13/2020, 4:58 pm من طرف روان علي شريف
» الكاتب علي شريف روان في حوار لـ"الديوان"
6/28/2019, 5:05 pm من طرف روان علي شريف
» فردوس مليندا المفقود.
3/12/2019, 1:20 am من طرف روان علي شريف
» بدري فركوح
3/4/2019, 11:56 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ليلى العفيفة
3/4/2019, 11:52 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مجموعة مؤلفات محمد حسنين هيكل
1/27/2019, 3:42 pm من طرف نبيل اوزاعي
» ألفية العياط فى النحو
11/9/2018, 3:13 am من طرف محمود العياط
» ديوان إنشق القمر
8/14/2018, 2:05 am من طرف محمود العياط
» ديوان بومبا والاقزام
2/25/2018, 3:39 am من طرف محمود العياط
» بريد الموتى
1/23/2018, 2:35 am من طرف روان علي شريف
» ديوان دحش قرم ودانك
12/21/2017, 4:33 am من طرف محمود العياط
» ديوان حادى يابادى يا كرنب زبادى
10/14/2017, 6:21 am من طرف محمود العياط
» من عجائب الأرقام
5/24/2017, 9:36 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ابن الرومي
5/24/2017, 9:20 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» قصيدة حبك وقلبى
8/13/2016, 11:05 pm من طرف محمود العياط
» الأعشى الأكبر
6/11/2016, 4:17 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مساء الخير
5/2/2015, 8:40 am من طرف السراب
» مي زيادة
4/22/2015, 11:17 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» لبيد بن ربيعة
12/28/2014, 4:44 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» زهير بن أبي سلمى
12/20/2014, 4:32 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» جبران خليل جبران
12/5/2014, 2:16 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» إيايا أبو ماضي
11/5/2014, 2:09 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» حمل برنامح تعلم اللغة الانجليزيه على جهازك المحمول
9/11/2014, 10:04 pm من طرف poopy87
» أوبريت ملحمة تحتمس الرابع ولوحة الاحلام
7/28/2014, 9:41 am من طرف محمود العياط
» سيف الفراق
7/22/2014, 2:59 am من طرف محمود العياط
» ديوان اعشقك جدا
7/22/2014, 2:56 am من طرف محمود العياط
» ديوان الحديث مع النفس البشرية
7/22/2014, 2:54 am من طرف محمود العياط
» عمرو بن كلثوم
6/14/2014, 6:02 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» طرفة بن العبد
5/28/2014, 5:26 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ديوان رصاصة فى قلب الجياد العجوزة
5/20/2014, 10:40 pm من طرف محمود العياط
» شهداء 6 أيار 1916
5/6/2014, 5:45 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» الياس قنصل
4/23/2014, 4:20 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» زكي قنصل
4/23/2014, 4:18 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» فضائية الجزيرة إحدى أسلحة قطر
4/3/2014, 6:05 pm من طرف طالب علي
» إضافة رائعة للفايرفوكس ( ميزة AutoPager ) تجعل كل المواضيع في صفحة واحدة
4/2/2014, 4:47 pm من طرف العـدوي
» محمود درويش مؤلفات ودواوين
3/20/2014, 9:56 pm من طرف wadfay
» حاتم الطائي
3/20/2014, 6:35 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» حكمة اليوم
3/2/2014, 6:03 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» امرؤ القيس
3/2/2014, 5:55 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» محتويات مكتبة الروايات
2/9/2014, 4:26 pm من طرف أريج الورد
» تقديم ديوان رصاصة فى قلب الجياد العجوزة محمود العياط
2/1/2014, 8:33 pm من طرف محمود العياط
» الحارث بن حلزة
1/21/2014, 7:36 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مجموعة من الاغاني النادرة لكاظم الساهر تجدونها عند السراب فقط لا غير
1/19/2014, 10:02 am من طرف mas12ter
» رخصة زواج للمؤجل اداريا
1/8/2014, 9:17 am من طرف anas198510
» الف ليلة وليلة
1/8/2014, 2:01 am من طرف سعيد خليف
» عنترة العبسي
1/5/2014, 6:30 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» معجم المصطلحات النفسية انكليزي فرنسي عربي
11/24/2013, 1:33 pm من طرف محمد حمد