انتفض عاصم مذهولاً عندما سمع أحدهم يقول أنت مرفوض يا عاصم من العمل , فرك عينيه , وهرش رأسه , وشعر للحظات أنه في حلم مزعج لكنه يرى المدير أمامه يتقدم نحوه وبيده قلم ًٌ يشير إ ليه كي يوقع على القرار .
أدرك حينئذ أنه ليس حلماً فسأل المدير :
• لماذا أنا مرفوض؟
• لأنك كثير الشرود
• لكني ما أهملت عملي يوماً , اسألوا زوجتي سمية إنها تتهمني دائماً بحب عملي أكثر منها وتغار من ذلك .
استدار المدير نحو مكتبه قائلاً:
لا تطٍل الكلام وتضيع الوقت , عليك أن تنفذ القرار عاجلاً.
كانت الشمس تشرع حقائب الرحيل الحمر نحو الغروب كعروس تشمر عن ساقيها لتغوص في بحر الشفق كي لا يبتل ثوبها الذهبي , بينما كان عاصم يلوذ بوحدته في شرفته يتأمل السماء وهي تشتعل بشفق الغروب , وكانت جمرات أفكاره تشعل فيه زوبعة الذهول.
أقبلت سمية بهدوء تحمل له القهوة لتؤنس وحدته , تربت على كتفه بحنان , وهو لا يكاد يغادره الذهول , وقد بدا على وجهه الأسمر غمام الضجر , وكأن العالم ضاق به ولم يعد يتسع لجسده النحيل وقال بانكسار:
• هل تعلمين أنهم يصادرون أفكاري ويعاقبونني بتهمة الشرود....؟ وكيف أنكر شرودي المدان ؟ آه يا سمية ... وهذا المرتب الذي لا يكاد يسد رمق جوع أو يشفي غليل عطش انقطع....
• لا تهلك حزناً إن الله كفيل بالعباد.
جست حرارة جبينه الملتهب .. كانت عيناه متسمرتين ينظر في الأرض مطرقاً رأسه , وكأنه ينتظر شيئاً سيشق الأرض ليخرج منها , وبيديه يضغط على جبينه بينما تغادر الشمس مملكة السماء ساحبة أطراف شعرها المتبقي في بحر الشفق ليمد الظلام أجنحته بهدوء أبكم.
تهدُّ سمية جدار الصمت قائلة:
• خذني إلى السوق أريد أن أبتاع بعض الحوائج.
نظر إليها مندهشاً , لكنها أومأت إليه بأنها تحمل نقوداً . فسألها مستنكراً :
• من أين حصلت عليها ؟
• لقد بعت سواري.
• منذ متى تتصرفين دون إعلامي؟
كانت دمعة لامعة تفضح اختلاجات روحه أمسكها وصرخ بصوت فيه ضجيج الانكسار:
• لست راضياً عما فعلت يا سمية.
يختنق الصوت في صدرها ودمع غزير يغسل وجنتيها وتقول:
• عليّ مساعدتك , المدارس على الأبواب , والشتاء مهرولٌ والعيد مهلل ٌ ويغيب صوتها ...
شردت أفكاره وعادت به الذاكرة إلى المديرية ,حيث الاستيقاظ باكراً كل يوم والمشي عبر الحديقة العامة ذهاباً إلى المديرية , شوقه كبير لأوراق مكتبه , للنافذة التي تطل على ساحة (سعد الله الجابري) ويقول في نفسه متحسراً: "لقد تركت هناك جزءاً من روحي وآمالي , لقد أرهقني الحنين " . لكن سمية تفهم شروده وتعرض عليه الحل فتقول:
• عد إلى القلم والكتابة يا عاصم ولا تستسلم للأمر , وارسم ومضات روحك على الورق كي تخمد الزوابع التي تثور في أعماقك , اشرد كما تشاء فما أروع شرودك .
أشعلت أفكاره أزهار دفلى وأقحوان وفاح ياسمين الذاكرة عطراً يدثر المكان , واشتعلت المنضدة بالأوراق والأقلام , وعبقت الغرفة ببخار لطيف ينبعث من فنجان قهوة.... الفرحة تكاد ترقص على وجه سمية المستدير 0
اخترق سكون المكان جرس الباب , تهرع سمية كي تفتح قبل أن يتكرر الطرق حرصاً منها على أفكار عاصم المتزاحمة من التزعزع .
• من الطارق ؟
• أريد السيد عاصم حميد .
تفتح الباب فينكشف وجه رجل نحيل , غائر الخدين , يحمل حقيبة سوداء , يلتقط منها ظرفاً ورقياً....... ويكرر سؤاله:
• أين السيد عاصم ؟
• إنه مشغول في الكتابة .
• الأمر مهم سيدتي. تشير للرجل بإيماءة "لحظة من فضلك " وتسرع إلى مكتب عاصم تشير له :
• هناك من يود التحدث إليك . فيومئ إليها بأن تتدبر الأمر. لكنه بدا مدهشاً عندما انتفض من مقعده فرحاً ضاحكاً وكأنه عثر على ضالته وهو يقول:
• إن النهر متجدد الماء دائماً لكن أسماكه ثابتة وصخوره صامدة لا تغادره أبداً أتعلمين لماذا؟ : لأنه موطنهم يا سمية , لم أعرف ذلك من قبل , الكل ثابت في قاع النهر والماء متجدد دائماً .
كانت الفرحة تحمل سمية على أجنحة بيض وتدمع عيناها فرحاً وتستدرك:
• هناك رجل يود التحدث إليك .
يسرع مستدركاً الأمر قائلاً :
• ماذا تريد ؟
• هل أنت عاصم حميد ؟
• أجل
• تفضل هذا كتاب إليك من المديرية إنه اعتذار منك
• لماذا ؟
• لقد أخطأ القرار وكان المقصود بالفصل من العمل هو الحارس عادل حميد .
• ماذا تقول؟ ويضحك بصوت مجلجل يحدث نفسه مستنكراً :
لا فرق بين مدير دائرة وبين حارس .
يزدهر وجه سمية غبطة وهي تؤكد لزوجها بأنها كانت واثقة أنه كان في الأمر التباس وفي صباح اليوم التالي ينهض عاصم من فراشه نشيطاً يتدثر بلباس أنيق ويحسن رباط عنقه بينما تدور سمية حوله كالفراشة ترفرف فرحاً وتسأله :
• أإلى المديرية ذاهب ياعاصم ؟
• إلى دار النشر يا عزيزتي , يتابع عاصم حديثه بعد ابتسامة عريضة النهر ماؤه متجدد دائماً لكن الصخور والأسماك لا تهجره ثابتة في القاع لأنه موطنها .
تربت كتفه بحنان قائلة :
• أنت الصخرة الثابتة ولكن قل لي قبل أن تمضي هل تحب عملك أكثر مني؟! .
مع فائق ودي واحترامي
أدرك حينئذ أنه ليس حلماً فسأل المدير :
• لماذا أنا مرفوض؟
• لأنك كثير الشرود
• لكني ما أهملت عملي يوماً , اسألوا زوجتي سمية إنها تتهمني دائماً بحب عملي أكثر منها وتغار من ذلك .
استدار المدير نحو مكتبه قائلاً:
لا تطٍل الكلام وتضيع الوقت , عليك أن تنفذ القرار عاجلاً.
كانت الشمس تشرع حقائب الرحيل الحمر نحو الغروب كعروس تشمر عن ساقيها لتغوص في بحر الشفق كي لا يبتل ثوبها الذهبي , بينما كان عاصم يلوذ بوحدته في شرفته يتأمل السماء وهي تشتعل بشفق الغروب , وكانت جمرات أفكاره تشعل فيه زوبعة الذهول.
أقبلت سمية بهدوء تحمل له القهوة لتؤنس وحدته , تربت على كتفه بحنان , وهو لا يكاد يغادره الذهول , وقد بدا على وجهه الأسمر غمام الضجر , وكأن العالم ضاق به ولم يعد يتسع لجسده النحيل وقال بانكسار:
• هل تعلمين أنهم يصادرون أفكاري ويعاقبونني بتهمة الشرود....؟ وكيف أنكر شرودي المدان ؟ آه يا سمية ... وهذا المرتب الذي لا يكاد يسد رمق جوع أو يشفي غليل عطش انقطع....
• لا تهلك حزناً إن الله كفيل بالعباد.
جست حرارة جبينه الملتهب .. كانت عيناه متسمرتين ينظر في الأرض مطرقاً رأسه , وكأنه ينتظر شيئاً سيشق الأرض ليخرج منها , وبيديه يضغط على جبينه بينما تغادر الشمس مملكة السماء ساحبة أطراف شعرها المتبقي في بحر الشفق ليمد الظلام أجنحته بهدوء أبكم.
تهدُّ سمية جدار الصمت قائلة:
• خذني إلى السوق أريد أن أبتاع بعض الحوائج.
نظر إليها مندهشاً , لكنها أومأت إليه بأنها تحمل نقوداً . فسألها مستنكراً :
• من أين حصلت عليها ؟
• لقد بعت سواري.
• منذ متى تتصرفين دون إعلامي؟
كانت دمعة لامعة تفضح اختلاجات روحه أمسكها وصرخ بصوت فيه ضجيج الانكسار:
• لست راضياً عما فعلت يا سمية.
يختنق الصوت في صدرها ودمع غزير يغسل وجنتيها وتقول:
• عليّ مساعدتك , المدارس على الأبواب , والشتاء مهرولٌ والعيد مهلل ٌ ويغيب صوتها ...
شردت أفكاره وعادت به الذاكرة إلى المديرية ,حيث الاستيقاظ باكراً كل يوم والمشي عبر الحديقة العامة ذهاباً إلى المديرية , شوقه كبير لأوراق مكتبه , للنافذة التي تطل على ساحة (سعد الله الجابري) ويقول في نفسه متحسراً: "لقد تركت هناك جزءاً من روحي وآمالي , لقد أرهقني الحنين " . لكن سمية تفهم شروده وتعرض عليه الحل فتقول:
• عد إلى القلم والكتابة يا عاصم ولا تستسلم للأمر , وارسم ومضات روحك على الورق كي تخمد الزوابع التي تثور في أعماقك , اشرد كما تشاء فما أروع شرودك .
أشعلت أفكاره أزهار دفلى وأقحوان وفاح ياسمين الذاكرة عطراً يدثر المكان , واشتعلت المنضدة بالأوراق والأقلام , وعبقت الغرفة ببخار لطيف ينبعث من فنجان قهوة.... الفرحة تكاد ترقص على وجه سمية المستدير 0
اخترق سكون المكان جرس الباب , تهرع سمية كي تفتح قبل أن يتكرر الطرق حرصاً منها على أفكار عاصم المتزاحمة من التزعزع .
• من الطارق ؟
• أريد السيد عاصم حميد .
تفتح الباب فينكشف وجه رجل نحيل , غائر الخدين , يحمل حقيبة سوداء , يلتقط منها ظرفاً ورقياً....... ويكرر سؤاله:
• أين السيد عاصم ؟
• إنه مشغول في الكتابة .
• الأمر مهم سيدتي. تشير للرجل بإيماءة "لحظة من فضلك " وتسرع إلى مكتب عاصم تشير له :
• هناك من يود التحدث إليك . فيومئ إليها بأن تتدبر الأمر. لكنه بدا مدهشاً عندما انتفض من مقعده فرحاً ضاحكاً وكأنه عثر على ضالته وهو يقول:
• إن النهر متجدد الماء دائماً لكن أسماكه ثابتة وصخوره صامدة لا تغادره أبداً أتعلمين لماذا؟ : لأنه موطنهم يا سمية , لم أعرف ذلك من قبل , الكل ثابت في قاع النهر والماء متجدد دائماً .
كانت الفرحة تحمل سمية على أجنحة بيض وتدمع عيناها فرحاً وتستدرك:
• هناك رجل يود التحدث إليك .
يسرع مستدركاً الأمر قائلاً :
• ماذا تريد ؟
• هل أنت عاصم حميد ؟
• أجل
• تفضل هذا كتاب إليك من المديرية إنه اعتذار منك
• لماذا ؟
• لقد أخطأ القرار وكان المقصود بالفصل من العمل هو الحارس عادل حميد .
• ماذا تقول؟ ويضحك بصوت مجلجل يحدث نفسه مستنكراً :
لا فرق بين مدير دائرة وبين حارس .
يزدهر وجه سمية غبطة وهي تؤكد لزوجها بأنها كانت واثقة أنه كان في الأمر التباس وفي صباح اليوم التالي ينهض عاصم من فراشه نشيطاً يتدثر بلباس أنيق ويحسن رباط عنقه بينما تدور سمية حوله كالفراشة ترفرف فرحاً وتسأله :
• أإلى المديرية ذاهب ياعاصم ؟
• إلى دار النشر يا عزيزتي , يتابع عاصم حديثه بعد ابتسامة عريضة النهر ماؤه متجدد دائماً لكن الصخور والأسماك لا تهجره ثابتة في القاع لأنه موطنها .
تربت كتفه بحنان قائلة :
• أنت الصخرة الثابتة ولكن قل لي قبل أن تمضي هل تحب عملك أكثر مني؟! .
مع فائق ودي واحترامي
6/8/2023, 9:34 pm من طرف روان علي شريف
» أنا بهذه اللحظة
10/28/2021, 8:01 am من طرف جاك
» على الرصيف
6/13/2020, 5:40 pm من طرف روان علي شريف
» بوابة الجحيم
6/13/2020, 4:58 pm من طرف روان علي شريف
» الكاتب علي شريف روان في حوار لـ"الديوان"
6/28/2019, 5:05 pm من طرف روان علي شريف
» فردوس مليندا المفقود.
3/12/2019, 1:20 am من طرف روان علي شريف
» بدري فركوح
3/4/2019, 11:56 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ليلى العفيفة
3/4/2019, 11:52 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مجموعة مؤلفات محمد حسنين هيكل
1/27/2019, 3:42 pm من طرف نبيل اوزاعي
» ألفية العياط فى النحو
11/9/2018, 3:13 am من طرف محمود العياط
» ديوان إنشق القمر
8/14/2018, 2:05 am من طرف محمود العياط
» ديوان بومبا والاقزام
2/25/2018, 3:39 am من طرف محمود العياط
» بريد الموتى
1/23/2018, 2:35 am من طرف روان علي شريف
» ديوان دحش قرم ودانك
12/21/2017, 4:33 am من طرف محمود العياط
» ديوان حادى يابادى يا كرنب زبادى
10/14/2017, 6:21 am من طرف محمود العياط
» من عجائب الأرقام
5/24/2017, 9:36 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ابن الرومي
5/24/2017, 9:20 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» قصيدة حبك وقلبى
8/13/2016, 11:05 pm من طرف محمود العياط
» الأعشى الأكبر
6/11/2016, 4:17 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مساء الخير
5/2/2015, 8:40 am من طرف السراب
» مي زيادة
4/22/2015, 11:17 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» لبيد بن ربيعة
12/28/2014, 4:44 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» زهير بن أبي سلمى
12/20/2014, 4:32 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» جبران خليل جبران
12/5/2014, 2:16 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» إيايا أبو ماضي
11/5/2014, 2:09 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» حمل برنامح تعلم اللغة الانجليزيه على جهازك المحمول
9/11/2014, 10:04 pm من طرف poopy87
» أوبريت ملحمة تحتمس الرابع ولوحة الاحلام
7/28/2014, 9:41 am من طرف محمود العياط
» سيف الفراق
7/22/2014, 2:59 am من طرف محمود العياط
» ديوان اعشقك جدا
7/22/2014, 2:56 am من طرف محمود العياط
» ديوان الحديث مع النفس البشرية
7/22/2014, 2:54 am من طرف محمود العياط
» عمرو بن كلثوم
6/14/2014, 6:02 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» طرفة بن العبد
5/28/2014, 5:26 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ديوان رصاصة فى قلب الجياد العجوزة
5/20/2014, 10:40 pm من طرف محمود العياط
» شهداء 6 أيار 1916
5/6/2014, 5:45 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» الياس قنصل
4/23/2014, 4:20 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» زكي قنصل
4/23/2014, 4:18 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» فضائية الجزيرة إحدى أسلحة قطر
4/3/2014, 6:05 pm من طرف طالب علي
» إضافة رائعة للفايرفوكس ( ميزة AutoPager ) تجعل كل المواضيع في صفحة واحدة
4/2/2014, 4:47 pm من طرف العـدوي
» محمود درويش مؤلفات ودواوين
3/20/2014, 9:56 pm من طرف wadfay
» حاتم الطائي
3/20/2014, 6:35 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» حكمة اليوم
3/2/2014, 6:03 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» امرؤ القيس
3/2/2014, 5:55 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» محتويات مكتبة الروايات
2/9/2014, 4:26 pm من طرف أريج الورد
» تقديم ديوان رصاصة فى قلب الجياد العجوزة محمود العياط
2/1/2014, 8:33 pm من طرف محمود العياط
» الحارث بن حلزة
1/21/2014, 7:36 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مجموعة من الاغاني النادرة لكاظم الساهر تجدونها عند السراب فقط لا غير
1/19/2014, 10:02 am من طرف mas12ter
» رخصة زواج للمؤجل اداريا
1/8/2014, 9:17 am من طرف anas198510
» الف ليلة وليلة
1/8/2014, 2:01 am من طرف سعيد خليف
» عنترة العبسي
1/5/2014, 6:30 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» معجم المصطلحات النفسية انكليزي فرنسي عربي
11/24/2013, 1:33 pm من طرف محمد حمد