بطرس غالي
خمس سنوات في بيت من زجاج
تسلم الدكتور بطرس غالي مسؤولية الأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة في الفترة الأكثر حراجة من حياتها. لذا، فإنك تتوقع الكثير من الكتاب الذي يؤلفه غالي ليروي فيه تجربته خلال السنوات الخمس التي تولى خلالها منصب الأمين العام، والتي تمتد من كانون الثاني (يناير) 1992 حتى كانون الأول (ديسمبر) 1996.
أما وقد أصدر غالي مثل هذا الكتاب (حمله عنوان:"5 سنوات في بيت من زجاج") فإن قراءة هذا الكتاب واجبة، لكن القارئ يسأل أولاً عما إذا كان هذا الكتاب يستجيب للتوقعات ويقدم الأجوبة عن القائمة الطويلة من الأسئلة المطروحة حول تلك الحقبة؟ أم أنه يقف عند حدود القصص الدبلوماسية القصيرة التي لا تسمن ولا تغن؟
بداية، فقد جاءت ولاية غالي مباشرة عقب حرب الخليج الثانية، واقلاع قطار مدريد الهادف لإعادة ترتيب الشرق الأوسط وفق الديكور الأميركي. فهل كانت الحاجة في حينه ملحة إلى أمين عام عربي للأمم المتحدة؟
من جهة أخرى، قامت الأمم المتحدة بناء على معادلة قوامها وجود قطبين عالميين جبارين، وكانت مهامها الرئيسية تتمحور حول التدخل لحل الأزمات التي يمكنها أن تنجم عن تعارض المصالح بينهما. فعندما انتهت الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفياتي، كان ذلك إيذاناً بنسف المعادلة التي قامت عليها الأمم المتحدة، حتى بات دورها محصوراً في تأكيد سيادة القطب الواحد.
يومها تساءل كثيرون: لماذا تنفذ الأمم المتحدة قرارات مجلس الأمن بالنسبة للعراق ولا تنفذها بالنسبة لإسرائيل. وكانت سذاجة هذا التساؤل تخفي جهل الفارق بين القرارات الصادرة بعد التفرد الأميركي وقبله! وتوالت الأحداث لتكرس دور الأمم المتحدة كمؤسسة أميركية غير نفعية، وهي مؤسسات تابعة للولايات المتحدة وهي ذات صفة استشارية غير ملزمة. وبهذا تحررت الولايات المتحدة من حرج الحصول على موافقة المنظمة كلما أرادت التحرك! بل أن قرارات الأطلسي الأخيرة أعطت للولايات المتحدة (ومعها أعضاء حلف الأطلسي) حرية التحرك في أماكن عدة من العالم من دون العودة إلى الأمم المتحدة. فقد وسع الأطلسي، ومن طرف واحد، نفوذه وحقه بالتدخل من دون أن يرى لزوم مراجعة الأمم المتحدة في شؤون تخص أعضاء كاملي العضوية في هذه المنظمة.
ولعل إشكالية العلاقة الأميركية مع الأمم المتحدة في تلك الفترة نابعة من الفوضى الاستراتيجية الأميركية. وربما كان لشخصية كلينتون دورها في تعقيد هذه الإشكالية وزيادة الطين بلة. فقد كان كلينتون مصراً على تحقيق المكاسب الاقتصادية وفق مبدأ "اقتناص الفرص"، وكان يبتعد بإصرار عن إعلان خيارات واضحة وعن تقديم رؤية متماسكة. وباختصار، فإنه كان غير مستعد للالتزام باستراتيجية واضحة عداك عن الإعلان عنها. فقد أدرك كلينتون جيداً أن هاجس المواطن الأميركي الأوحد هو تحقيق المزيد من الرخاء الاقتصادي، وهذا الإدراك ساعده على تجديد ولايته، كما ساعده على تجنب الأزمات المعقدة عن طريق تأجيلها كي تنفجر في وجه الرئيس التالي له.
وبذلك كان من الطبيعي أن يتلقى غالي إشارات متناقضة ومتعاكسة أحياناً، من الإدارة الأميركية. وإذا كانت هذه الأخيرة غير مبالية برأي الآخرين، فإن المنظمة لا تستطيع تجاهل هذا الرأي، بل أنها مجبرة وفق ميثاقها على احترام هذا الرأي، الأمر الذي جعل من مجلس الأمن وجهة كل القضايا، مما أحال المنظمة على التقاعد، فين حين تفردت الولايات المتحدة بقرارات المجلس مستغلة "الفيتو" وعجز الأعضاء عن المواجهة. فهل يحمل كتاب غالي صوراً لهذه الأوضاع؟ وهل هو يكشف عن خلفيات يختاج إليها القارئ للتوجه في الزمان والمكان وفق البوصلة الأميركية والتوقيت الأميركي؟
مقدماً نقول بأن الكتاب يخيب ظنون القراء الذين يعلقون مثل هذه الآمال. فمحتوياته كناية عن أقصوصات (حدوتة باللهجة المصرية) تتوالى من دون أن يكشف حتى عن أقصوصات (حدوتة باللهجة المصرية) تتوالى من دون أن يكشف حتى عن سبب إرباك غالي، والخلفية الحقيقية لسوء اتصاله مع الإدارة الأميركية على الرغم من نيات فائقة الطيبة تجاهها؟. هذا السبب الذي يلخصه الاستراتيجيون بالقول بأن كلينتون تعامل مع الأزمات حالة فحالة (Case by case) بمعنى أنه لم يكن يتبع الأسلوب ذاته في معالجة أزمتين متشابهتين.
ولننتقل إلى الكتاب فنذكر بعنوانه "خمس سنوات في بيت من زجاج" وهو واقع في 406 صفحات من الحجم المتوسط، وتتوزع محتوياته على ثمانية فصول وخاتمة.
1- التأييد الأميركي _ كسبه ثم فقده.
يعود بنا المؤلف إلى حزيران (يونيو) من العام 1991 عندما قام بتمثيل الرئيس مبارك في مؤتمر منظمة الوحدة الأفريقية في نيجيريا، حيث أثيرت مسألة منصب الأمين العام للأمم المتحدة إذ كان الدور على أفريقيا لاختيار شخص لهذا المنصب. وكان هناك مرشحون من الكاميرون وغانا ونيجيريا وزيمبابواي. لكن رئيس الغابون عمر بنوجو اعترض على هؤلاء بحجة أن أحدهم لا يتقن اللغة الفرنسية (كي يمثل أفريقيا الفرانكوفونية)، وأعقب بونجو اعتراضه بتوجيه الحديث إلى غالي (كونه يتقن العربية والفرنسية والإنكليزية) طالباً منه الترشح للمنصب. وهكذا بات غالي مرشحاً للمنصب!
ويتابع المؤلف أنه لم يعط قبوله لأنه يحتاج إلى استشارة الرئيس مبارك الذي لم يكن متحمساً لهذا الترشيح باعتبار فشل غالي هزيمة مصر. لكن غالي يقول برغبته في خوض التجربة نتيجة إحساسه بأنه "حيوان سياسي". ثم يروي لنا الجولات التي خاضها للحصول على التأييد، وكان ذلك سهلاً في فرنسا ثم في موسكو (التي زارها بصحبة مبارك). إلاّ أن الرفض تركز في كندا والولايات المتحدة، حتى أنه يذكر تجنب بوش مناقشة الموضوع معه، وتغيير الحديث إلى مناقشة عامة لأوضاع الشرق الأوسط (القذافي وصدام حسين تحديداً) وهي طريق الرفض الأميركي عندما يريد أن يكون مهذباً! لكن الموقف الأميركي لم يلبث أن يتبدل حيث يبلغ جايمس بيكر (وزير الخارجية) السفير المصري عبد الرءوف الريدي استعداد الولايات المتحدة لدعم غالي، وهكذا تم انتخاب غالي لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة! وحلف اليمين في 3 كانون الأول (ديسمبر) 1991 وألقى كلمته باللغات الثلاث مستعيراً من الفارابي قوله:"… أعظم الأحلام هو الحلم برابطة الأمم الفاضلة". متمنياً أن تحقق الأمم المتحدة هذا الحلم!
هكذا يروي المؤلف علمية انتخابية وكأنها انتخاب لآحاد الطلبة في إحدى الجامعات الصغيرة. فقد كان لتكوينه الشخصي (إتقان الفرنسية) الأثر الأكبر في ترشيح الأفارقة له. لم يكن الترشيح بضغط من الفرانكوفونية الأفريقية وبدعم فرنسي…الخ من الخلفيات المؤدية لهذا الترشيح والتي فضل المؤلف إبقاءها أسراراً.
ونأتي إلى فشله في التجديد لولاية ثانية. وهنا يبدو المؤلف أكثر إقناعاً إذ يقدم بعض المبررات المقبولة ومنها:
I- تزامن انتخاب الأمين العام مع الانتخابات الأميركية (في السنة نفسها)، بما يوحي أن مصير غالي كان مرتبطاً بمصير بوش، ويدعم غالي هذا الإيحاء بذكره رسالة تلقاها من بوش (بعد خسارته للانتخابات أمام كلينتون) يقول فيها:"… سأفتقد العمل معك".
II- المحاضرة التي ألقاها غالي في لندن والتي لام فيها الولايات المتحدة على التقصير في تسديد المستحقات المتوجبة عليها للأمم المتحدة، والتي بلغت في حينه حدود المليار دولار. ويسهب غالي في شرح أثر هذه المحاضرة في إقصائه عن المنصب. مع العلم أن تأخير سداد الولايات المتحدة لاشتراكاتها معروف حتى في الأوساط الشعبية، وهو بالتالي لا يثير كل هذه الحساسية، إلاّ إذا كان سبباً معلناً يخفي خلفه جملة أسباب غير معلنة. ومن التفصيلات أن المحاضرة ألقيت في جامعة أوكسفورد في كانون الثاني (يناير) 1996 ونشرت في مجلة "شؤون خارجية" الأميركية المدونة. واستتبع هذا النشر ردود فعل صحفية متفرقة يذكر منها غالي ردة فعل جريدة "الواشنطن بوست" وجريدة "وول ستريت جورنال" حيث اشتركت الأولى مع صحف عديدة في اعتبار المحاضرة استفزازية للولايات المتحدة ودليلاً على رغبة في التجديد. أما الثانية فقد أصدرت عددها المؤرخ في 3 أيار (مايو) 1996 وفيه مقالة بعنوان "باي باي غالي".
عداك عن اللقاءات التي يذكرها المؤلف مع كل من سايروس فانس وهامبورغ وكريستوفر، وكلها تتعلق بإبلاغه معارضة الولايات المتحدة للتجديد له. حتى أن كريستوفر اتصل به هاتفياً في أثناء زيارة له لإسرائيل لإبلاغه ذلك. ويتساءل غالي عن مدى الإصرار الأميركي على رفضه بحيث لم يؤجل كريستوفر الإبلاغ لغاية عودته من إسرائيل؟ ويمكننا اعتبار هذا التساؤل إيحاءً دبلوماسياً من قبل المؤلف بأن الرفض الحقيقي له أتى من إسرائيل وبضغط منها أكثر منه قراراً أميركياً صرفاً.
يعرض غالي لبداية دخوله البيت الزجاجي (مكتب الأمانة العامة) الواقع في الطبقة الثامنة والثلاثين من مبنى "ساتون بالاس" ويصف المبنى والمكتب لينتقل إلى ما اعتبره البند الأول في جدول أعماله وهو: إصلاح المؤسسة.
وإذا ما وجدنا في الحسبان أن الذريعة الأميركية المعلنة لرفض غالي كانت عجزه عن الإصلاح، فإننا ندرك أن غالي يحاول تسخير هذا الفصل للدفاع عن نفسه ضد هذه التهمة، وينطلق غالي في دفاعه بوصف الحالة التي تسلم فيها المنظمة. فيقول بأن المنظمة لم تبدأ بحيازة تكنولوجيا المعلومات إلاّ في العام 1992 (أي بعد تسلمه المنصب) وكان ذلك بصعوبة فائقة، نظراً إلى العجز المالي الذي كانت المنظمة تعانيه وبسبب عدم سداد بعض الدول للاشتراكات المتوجبة عليها.
ويشدد غالي بحق على العاقة الناجمة عن نقص معلومات المنظمة. وهو نقص يعوقها عن ممارسة أي دور رئيسي في الشؤون الدولية. وهو دور يقتضي ملكية معلومات دقيقة ووافية. وعبر مقارنته بين النقص المعلوماتي للمنظمة وبين الفائض المعلوماتي للمؤسسات الأميركية يلمح غالي بذكاء إلى الاحتكار الأميركي للمعلومات، وحجبها عن المنظمة وإعاقة وصولها للمنظمة، بحيث تكون الولايات المتحدة مستعدة دائماً للتعامل مع الشؤون الدولية في الوقت الذي تتخبط فيه المنظمة بجهلها!
ويتابع غالي دفع التهمة بالإشارة إلى أن صالحيته كأمين عام لم تكن تسمح له بإجراء من أجل تبسيط العمل داخل المنظمة وتسهيله. (مما يعكس التعامل البيروقراطي في غياب إمكانات التصحيح الجوهري). ويورد غالي بعد ذلك جردة بمستحقات الأمم المتحدة، فيؤكد أن 67 دولة فقط، من أصل 159 عضواً، سددت اشتراكاتها بالكامل
خمس سنوات في بيت من زجاج
تسلم الدكتور بطرس غالي مسؤولية الأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة في الفترة الأكثر حراجة من حياتها. لذا، فإنك تتوقع الكثير من الكتاب الذي يؤلفه غالي ليروي فيه تجربته خلال السنوات الخمس التي تولى خلالها منصب الأمين العام، والتي تمتد من كانون الثاني (يناير) 1992 حتى كانون الأول (ديسمبر) 1996.
أما وقد أصدر غالي مثل هذا الكتاب (حمله عنوان:"5 سنوات في بيت من زجاج") فإن قراءة هذا الكتاب واجبة، لكن القارئ يسأل أولاً عما إذا كان هذا الكتاب يستجيب للتوقعات ويقدم الأجوبة عن القائمة الطويلة من الأسئلة المطروحة حول تلك الحقبة؟ أم أنه يقف عند حدود القصص الدبلوماسية القصيرة التي لا تسمن ولا تغن؟
بداية، فقد جاءت ولاية غالي مباشرة عقب حرب الخليج الثانية، واقلاع قطار مدريد الهادف لإعادة ترتيب الشرق الأوسط وفق الديكور الأميركي. فهل كانت الحاجة في حينه ملحة إلى أمين عام عربي للأمم المتحدة؟
من جهة أخرى، قامت الأمم المتحدة بناء على معادلة قوامها وجود قطبين عالميين جبارين، وكانت مهامها الرئيسية تتمحور حول التدخل لحل الأزمات التي يمكنها أن تنجم عن تعارض المصالح بينهما. فعندما انتهت الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفياتي، كان ذلك إيذاناً بنسف المعادلة التي قامت عليها الأمم المتحدة، حتى بات دورها محصوراً في تأكيد سيادة القطب الواحد.
يومها تساءل كثيرون: لماذا تنفذ الأمم المتحدة قرارات مجلس الأمن بالنسبة للعراق ولا تنفذها بالنسبة لإسرائيل. وكانت سذاجة هذا التساؤل تخفي جهل الفارق بين القرارات الصادرة بعد التفرد الأميركي وقبله! وتوالت الأحداث لتكرس دور الأمم المتحدة كمؤسسة أميركية غير نفعية، وهي مؤسسات تابعة للولايات المتحدة وهي ذات صفة استشارية غير ملزمة. وبهذا تحررت الولايات المتحدة من حرج الحصول على موافقة المنظمة كلما أرادت التحرك! بل أن قرارات الأطلسي الأخيرة أعطت للولايات المتحدة (ومعها أعضاء حلف الأطلسي) حرية التحرك في أماكن عدة من العالم من دون العودة إلى الأمم المتحدة. فقد وسع الأطلسي، ومن طرف واحد، نفوذه وحقه بالتدخل من دون أن يرى لزوم مراجعة الأمم المتحدة في شؤون تخص أعضاء كاملي العضوية في هذه المنظمة.
ولعل إشكالية العلاقة الأميركية مع الأمم المتحدة في تلك الفترة نابعة من الفوضى الاستراتيجية الأميركية. وربما كان لشخصية كلينتون دورها في تعقيد هذه الإشكالية وزيادة الطين بلة. فقد كان كلينتون مصراً على تحقيق المكاسب الاقتصادية وفق مبدأ "اقتناص الفرص"، وكان يبتعد بإصرار عن إعلان خيارات واضحة وعن تقديم رؤية متماسكة. وباختصار، فإنه كان غير مستعد للالتزام باستراتيجية واضحة عداك عن الإعلان عنها. فقد أدرك كلينتون جيداً أن هاجس المواطن الأميركي الأوحد هو تحقيق المزيد من الرخاء الاقتصادي، وهذا الإدراك ساعده على تجديد ولايته، كما ساعده على تجنب الأزمات المعقدة عن طريق تأجيلها كي تنفجر في وجه الرئيس التالي له.
وبذلك كان من الطبيعي أن يتلقى غالي إشارات متناقضة ومتعاكسة أحياناً، من الإدارة الأميركية. وإذا كانت هذه الأخيرة غير مبالية برأي الآخرين، فإن المنظمة لا تستطيع تجاهل هذا الرأي، بل أنها مجبرة وفق ميثاقها على احترام هذا الرأي، الأمر الذي جعل من مجلس الأمن وجهة كل القضايا، مما أحال المنظمة على التقاعد، فين حين تفردت الولايات المتحدة بقرارات المجلس مستغلة "الفيتو" وعجز الأعضاء عن المواجهة. فهل يحمل كتاب غالي صوراً لهذه الأوضاع؟ وهل هو يكشف عن خلفيات يختاج إليها القارئ للتوجه في الزمان والمكان وفق البوصلة الأميركية والتوقيت الأميركي؟
مقدماً نقول بأن الكتاب يخيب ظنون القراء الذين يعلقون مثل هذه الآمال. فمحتوياته كناية عن أقصوصات (حدوتة باللهجة المصرية) تتوالى من دون أن يكشف حتى عن أقصوصات (حدوتة باللهجة المصرية) تتوالى من دون أن يكشف حتى عن سبب إرباك غالي، والخلفية الحقيقية لسوء اتصاله مع الإدارة الأميركية على الرغم من نيات فائقة الطيبة تجاهها؟. هذا السبب الذي يلخصه الاستراتيجيون بالقول بأن كلينتون تعامل مع الأزمات حالة فحالة (Case by case) بمعنى أنه لم يكن يتبع الأسلوب ذاته في معالجة أزمتين متشابهتين.
ولننتقل إلى الكتاب فنذكر بعنوانه "خمس سنوات في بيت من زجاج" وهو واقع في 406 صفحات من الحجم المتوسط، وتتوزع محتوياته على ثمانية فصول وخاتمة.
1- التأييد الأميركي _ كسبه ثم فقده.
يعود بنا المؤلف إلى حزيران (يونيو) من العام 1991 عندما قام بتمثيل الرئيس مبارك في مؤتمر منظمة الوحدة الأفريقية في نيجيريا، حيث أثيرت مسألة منصب الأمين العام للأمم المتحدة إذ كان الدور على أفريقيا لاختيار شخص لهذا المنصب. وكان هناك مرشحون من الكاميرون وغانا ونيجيريا وزيمبابواي. لكن رئيس الغابون عمر بنوجو اعترض على هؤلاء بحجة أن أحدهم لا يتقن اللغة الفرنسية (كي يمثل أفريقيا الفرانكوفونية)، وأعقب بونجو اعتراضه بتوجيه الحديث إلى غالي (كونه يتقن العربية والفرنسية والإنكليزية) طالباً منه الترشح للمنصب. وهكذا بات غالي مرشحاً للمنصب!
ويتابع المؤلف أنه لم يعط قبوله لأنه يحتاج إلى استشارة الرئيس مبارك الذي لم يكن متحمساً لهذا الترشيح باعتبار فشل غالي هزيمة مصر. لكن غالي يقول برغبته في خوض التجربة نتيجة إحساسه بأنه "حيوان سياسي". ثم يروي لنا الجولات التي خاضها للحصول على التأييد، وكان ذلك سهلاً في فرنسا ثم في موسكو (التي زارها بصحبة مبارك). إلاّ أن الرفض تركز في كندا والولايات المتحدة، حتى أنه يذكر تجنب بوش مناقشة الموضوع معه، وتغيير الحديث إلى مناقشة عامة لأوضاع الشرق الأوسط (القذافي وصدام حسين تحديداً) وهي طريق الرفض الأميركي عندما يريد أن يكون مهذباً! لكن الموقف الأميركي لم يلبث أن يتبدل حيث يبلغ جايمس بيكر (وزير الخارجية) السفير المصري عبد الرءوف الريدي استعداد الولايات المتحدة لدعم غالي، وهكذا تم انتخاب غالي لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة! وحلف اليمين في 3 كانون الأول (ديسمبر) 1991 وألقى كلمته باللغات الثلاث مستعيراً من الفارابي قوله:"… أعظم الأحلام هو الحلم برابطة الأمم الفاضلة". متمنياً أن تحقق الأمم المتحدة هذا الحلم!
هكذا يروي المؤلف علمية انتخابية وكأنها انتخاب لآحاد الطلبة في إحدى الجامعات الصغيرة. فقد كان لتكوينه الشخصي (إتقان الفرنسية) الأثر الأكبر في ترشيح الأفارقة له. لم يكن الترشيح بضغط من الفرانكوفونية الأفريقية وبدعم فرنسي…الخ من الخلفيات المؤدية لهذا الترشيح والتي فضل المؤلف إبقاءها أسراراً.
ونأتي إلى فشله في التجديد لولاية ثانية. وهنا يبدو المؤلف أكثر إقناعاً إذ يقدم بعض المبررات المقبولة ومنها:
I- تزامن انتخاب الأمين العام مع الانتخابات الأميركية (في السنة نفسها)، بما يوحي أن مصير غالي كان مرتبطاً بمصير بوش، ويدعم غالي هذا الإيحاء بذكره رسالة تلقاها من بوش (بعد خسارته للانتخابات أمام كلينتون) يقول فيها:"… سأفتقد العمل معك".
II- المحاضرة التي ألقاها غالي في لندن والتي لام فيها الولايات المتحدة على التقصير في تسديد المستحقات المتوجبة عليها للأمم المتحدة، والتي بلغت في حينه حدود المليار دولار. ويسهب غالي في شرح أثر هذه المحاضرة في إقصائه عن المنصب. مع العلم أن تأخير سداد الولايات المتحدة لاشتراكاتها معروف حتى في الأوساط الشعبية، وهو بالتالي لا يثير كل هذه الحساسية، إلاّ إذا كان سبباً معلناً يخفي خلفه جملة أسباب غير معلنة. ومن التفصيلات أن المحاضرة ألقيت في جامعة أوكسفورد في كانون الثاني (يناير) 1996 ونشرت في مجلة "شؤون خارجية" الأميركية المدونة. واستتبع هذا النشر ردود فعل صحفية متفرقة يذكر منها غالي ردة فعل جريدة "الواشنطن بوست" وجريدة "وول ستريت جورنال" حيث اشتركت الأولى مع صحف عديدة في اعتبار المحاضرة استفزازية للولايات المتحدة ودليلاً على رغبة في التجديد. أما الثانية فقد أصدرت عددها المؤرخ في 3 أيار (مايو) 1996 وفيه مقالة بعنوان "باي باي غالي".
عداك عن اللقاءات التي يذكرها المؤلف مع كل من سايروس فانس وهامبورغ وكريستوفر، وكلها تتعلق بإبلاغه معارضة الولايات المتحدة للتجديد له. حتى أن كريستوفر اتصل به هاتفياً في أثناء زيارة له لإسرائيل لإبلاغه ذلك. ويتساءل غالي عن مدى الإصرار الأميركي على رفضه بحيث لم يؤجل كريستوفر الإبلاغ لغاية عودته من إسرائيل؟ ويمكننا اعتبار هذا التساؤل إيحاءً دبلوماسياً من قبل المؤلف بأن الرفض الحقيقي له أتى من إسرائيل وبضغط منها أكثر منه قراراً أميركياً صرفاً.
يعرض غالي لبداية دخوله البيت الزجاجي (مكتب الأمانة العامة) الواقع في الطبقة الثامنة والثلاثين من مبنى "ساتون بالاس" ويصف المبنى والمكتب لينتقل إلى ما اعتبره البند الأول في جدول أعماله وهو: إصلاح المؤسسة.
وإذا ما وجدنا في الحسبان أن الذريعة الأميركية المعلنة لرفض غالي كانت عجزه عن الإصلاح، فإننا ندرك أن غالي يحاول تسخير هذا الفصل للدفاع عن نفسه ضد هذه التهمة، وينطلق غالي في دفاعه بوصف الحالة التي تسلم فيها المنظمة. فيقول بأن المنظمة لم تبدأ بحيازة تكنولوجيا المعلومات إلاّ في العام 1992 (أي بعد تسلمه المنصب) وكان ذلك بصعوبة فائقة، نظراً إلى العجز المالي الذي كانت المنظمة تعانيه وبسبب عدم سداد بعض الدول للاشتراكات المتوجبة عليها.
ويشدد غالي بحق على العاقة الناجمة عن نقص معلومات المنظمة. وهو نقص يعوقها عن ممارسة أي دور رئيسي في الشؤون الدولية. وهو دور يقتضي ملكية معلومات دقيقة ووافية. وعبر مقارنته بين النقص المعلوماتي للمنظمة وبين الفائض المعلوماتي للمؤسسات الأميركية يلمح غالي بذكاء إلى الاحتكار الأميركي للمعلومات، وحجبها عن المنظمة وإعاقة وصولها للمنظمة، بحيث تكون الولايات المتحدة مستعدة دائماً للتعامل مع الشؤون الدولية في الوقت الذي تتخبط فيه المنظمة بجهلها!
ويتابع غالي دفع التهمة بالإشارة إلى أن صالحيته كأمين عام لم تكن تسمح له بإجراء من أجل تبسيط العمل داخل المنظمة وتسهيله. (مما يعكس التعامل البيروقراطي في غياب إمكانات التصحيح الجوهري). ويورد غالي بعد ذلك جردة بمستحقات الأمم المتحدة، فيؤكد أن 67 دولة فقط، من أصل 159 عضواً، سددت اشتراكاتها بالكامل
6/8/2023, 9:34 pm من طرف روان علي شريف
» أنا بهذه اللحظة
10/28/2021, 8:01 am من طرف جاك
» على الرصيف
6/13/2020, 5:40 pm من طرف روان علي شريف
» بوابة الجحيم
6/13/2020, 4:58 pm من طرف روان علي شريف
» الكاتب علي شريف روان في حوار لـ"الديوان"
6/28/2019, 5:05 pm من طرف روان علي شريف
» فردوس مليندا المفقود.
3/12/2019, 1:20 am من طرف روان علي شريف
» بدري فركوح
3/4/2019, 11:56 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ليلى العفيفة
3/4/2019, 11:52 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مجموعة مؤلفات محمد حسنين هيكل
1/27/2019, 3:42 pm من طرف نبيل اوزاعي
» ألفية العياط فى النحو
11/9/2018, 3:13 am من طرف محمود العياط
» ديوان إنشق القمر
8/14/2018, 2:05 am من طرف محمود العياط
» ديوان بومبا والاقزام
2/25/2018, 3:39 am من طرف محمود العياط
» بريد الموتى
1/23/2018, 2:35 am من طرف روان علي شريف
» ديوان دحش قرم ودانك
12/21/2017, 4:33 am من طرف محمود العياط
» ديوان حادى يابادى يا كرنب زبادى
10/14/2017, 6:21 am من طرف محمود العياط
» من عجائب الأرقام
5/24/2017, 9:36 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ابن الرومي
5/24/2017, 9:20 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» قصيدة حبك وقلبى
8/13/2016, 11:05 pm من طرف محمود العياط
» الأعشى الأكبر
6/11/2016, 4:17 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مساء الخير
5/2/2015, 8:40 am من طرف السراب
» مي زيادة
4/22/2015, 11:17 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» لبيد بن ربيعة
12/28/2014, 4:44 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» زهير بن أبي سلمى
12/20/2014, 4:32 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» جبران خليل جبران
12/5/2014, 2:16 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» إيايا أبو ماضي
11/5/2014, 2:09 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» حمل برنامح تعلم اللغة الانجليزيه على جهازك المحمول
9/11/2014, 10:04 pm من طرف poopy87
» أوبريت ملحمة تحتمس الرابع ولوحة الاحلام
7/28/2014, 9:41 am من طرف محمود العياط
» سيف الفراق
7/22/2014, 2:59 am من طرف محمود العياط
» ديوان اعشقك جدا
7/22/2014, 2:56 am من طرف محمود العياط
» ديوان الحديث مع النفس البشرية
7/22/2014, 2:54 am من طرف محمود العياط
» عمرو بن كلثوم
6/14/2014, 6:02 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» طرفة بن العبد
5/28/2014, 5:26 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ديوان رصاصة فى قلب الجياد العجوزة
5/20/2014, 10:40 pm من طرف محمود العياط
» شهداء 6 أيار 1916
5/6/2014, 5:45 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» الياس قنصل
4/23/2014, 4:20 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» زكي قنصل
4/23/2014, 4:18 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» فضائية الجزيرة إحدى أسلحة قطر
4/3/2014, 6:05 pm من طرف طالب علي
» إضافة رائعة للفايرفوكس ( ميزة AutoPager ) تجعل كل المواضيع في صفحة واحدة
4/2/2014, 4:47 pm من طرف العـدوي
» محمود درويش مؤلفات ودواوين
3/20/2014, 9:56 pm من طرف wadfay
» حاتم الطائي
3/20/2014, 6:35 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» حكمة اليوم
3/2/2014, 6:03 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» امرؤ القيس
3/2/2014, 5:55 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» محتويات مكتبة الروايات
2/9/2014, 4:26 pm من طرف أريج الورد
» تقديم ديوان رصاصة فى قلب الجياد العجوزة محمود العياط
2/1/2014, 8:33 pm من طرف محمود العياط
» الحارث بن حلزة
1/21/2014, 7:36 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مجموعة من الاغاني النادرة لكاظم الساهر تجدونها عند السراب فقط لا غير
1/19/2014, 10:02 am من طرف mas12ter
» رخصة زواج للمؤجل اداريا
1/8/2014, 9:17 am من طرف anas198510
» الف ليلة وليلة
1/8/2014, 2:01 am من طرف سعيد خليف
» عنترة العبسي
1/5/2014, 6:30 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» معجم المصطلحات النفسية انكليزي فرنسي عربي
11/24/2013, 1:33 pm من طرف محمد حمد