http://www.l44l.com/upfiles11/IZF58355.gif[/img]
شباط جئت من غير المعتاد ببرودة غير مألوفة لكنك لم تثن من عزيمة مرزوق البلاندي شيئا، ها هو اليوم يقف وحيدا بساحة الثورة يسند ظهره المقوس لتمثال الحرية المجنح وراح يمعن النظر في ملامح الأسدين الأونيكسيين الجاثمين أمام العمادة.تساءل في قرارة نفسه كيف بالناس تصدق ما تروجن له أبواق الفتنة على مسامعهم منذ عقود؟كيف بهم يصدقون تلك الحماقات. أيعقل أن المدينة مدانة بكل شيء لهذين المنتصبين أمامه.؟كيف للمدينة أن تكتسب عظمتها من هذين الهيكلين الرخاميين؟ كيف بها تتحول بهذه السرعة المذهلة ولم يتحركا؟لا الزمن غير من ملامحهما ولا عوامل التعرية نالت من عزيمتهما.المدينة جنت، سكانها ثاروا وأثناء ثورتهم هلك منهم الكثير.منهم من استشهد ومنهم من قتل.منهم من انتحر ومنهم من مات جوعا ومنهم من تقتله التخمة في زمن الجوع. أكيد من صدقوا تلك الخرافة خرفانا أبهرتهم حفاوة الاستقبال ليلة عيد.كان مرزوق يدرك خلافا لعامة الناس أن الفضل كله يعود للمدينة وحدها وللقلة القليلة التي لم تنحن للريح و تمكنت من تجنب عدوى الطاعون.
وبينما هو على حاله إذ تنتشله من غفوته موسيقى صاخبة تصم الأذان تنبعث من سيارة فاخرة تمر بمقربته لم يستطع استيعاب من كلماتها البذيئة إلا كلمة ما ما عليهش .هز رأسه بحسرة فوقعت عيناه على بناية تآكلت جدرانها وعشش بها الحمام .تذكر مسرحية الأجواد وسخونة فصلها الأخير وتلك الجماهير المتزاحمة أمام الشبابيك المقفلة.أمعن النظر ثانية للمكان فلم يظهر له إلا طيف امرأة لم يتعد سنها العقدين اتخذت من المدخل الرئيسي للبناية مأوى لها ليس لها من الأمتعة إلا بعض اللوازم القذرة وفي حضنها رضيع يملأ المكان صراخا لعل قساوة شباط نالت منه أو أراد حليبا لم يعد ثدي تلك البائسة يوفره له.توقف مرزوق البلاندي عن التفكير وامتلكه شيء من الرعب. ..
راح يعد الخطوات يمينا وشمالا، من حين إلى أخر يترقب ساعته في قلق متزايد ، يحملق في وجوه العابرين ممن تلفظهم الحافلات عند المنتهى حتى خيل إليهم أنه مجنون أو مدمن حان وقت حقنته.أشعل سيجارة ولم تأت ثم أخرى ولم تأت.أمضى نصف ساعة وكأنه أمضى نصف عمره ولم تأت.. في اللحظة التي قرر فيها مغادرة المكان رآها من خلف الزجاج تتأهب للنزول وفي يدها جريدة كادت أن تتمزق.كانت ترتدي معطفا أسودا وكأنها في حداد، معطفا أسودا كعينيها الواسعتين و قبل أن تطأ رجليها الإسفلت مدت له يدها مصافحة فأحس ببرودة الأموات تخترق جسده المتداعي ، تتسلل لدمه وتستقر بين أحشائه الملتهبة. أحس بيدها ترتعش ومعها جسدها الرشيق الذي لم يرتعش يوما،أدرك أن هناك شيء ما يؤرقها.نظر إليها باستغراب وحزن عميق لم يجد لهما تفسيرا. أمعن النظر ثانية إلى عينيها الواسعتين، رأى في سوادهما وجهه ، تراءت له أولى تجاعيد جبهته فامتلكه شيء من الرعب كذاك الذي يخيم على المدينة...
مر العمر ولم يشعر به.لم يواجه نفسه منذ أن كسر مرآة الخزانة ليلة زفاف سمراء وحاول أن ينتحر.تزوجت سمراء وكره جميع النساء ومن يومها طوى كل صفحات الماضي الأليم. ها هو اليوم يبدو أنه قد تغير .انه يدرك هذا منذ أن وقف على شغفه وهيامه الضارب في عمق أحلامه للواقفة أمامه.
للوهلة الأولى ضنت أنه يعلم الخبر، فتحت الجريدة وقالت : إنها الكارثة. رد عليها مستفسرا عن أي كارثة تتحدثين؟ قالت : صابر انتحر وأجهشت بالبكاء.. وهو يهدأ من روعها قال : عاش تعيسا ومات تعيسا. انتحر صابر لكن تبقى صرخته الأخيرة مدوية تزعج ليل المدينة لعل ذبذباتها توقظ الأسدين من سباتهما العميق وتجنب المدينة الجنون.
نظرت إليه بعينين دامعتين وقالت حتى أنت يا مرزوق تتحدث عن الجنون كصابر،أخشى عليك من الانتحار.قاطعها بهدوء وقال ما دمت تخشين علي لن يصبني أي مكروه يكفي أن تطالعنا الجرائد يوميا بأخبار ممن لا يجدون من يخشى عليهم وهذا شيء رهيب.
وضع يده بكل رفق على كتفها وقال هيا بنا إلى هناك لعلنا هذه المرة نحضى بالاستقبال ويستمع إلينا.
عند باحة العمادة تفاجئا بحشد كبير من الناس غص بهم المكان جاءوا كلهم لمقابلة المسئول الأول عن المدينة وبعد انتظار طويل أعلن الحاجب أن المسئول في اجتماع مهم لا يمكنه مقابلتهم .تعالت الأصوات مستنكرة وارتسمت خيبة الأمل والانكسار على الوجوه الشاحبة.التفت مرزوق إلى الحاجب لعله يلفت انتباهه بأنه لم يأت للمرة الأولى وحاجته تختلف عن حاجات الآخرين .قال بنبرة متفائلة أحيانا نقف حائرين من أمرنا ،عاجزين عن الكلام نقبر كلماتنا في صدورنا .تتفاعل ،تتصادم،تتطاحن،تغفوا لكنها لا تموت .قد تنوب قسماتنا عن شفاهنا وتكون مرآة عاكسة لما بداخلنا لكن تبقى الكلمة هي الكلمة وحدها باستطاعتها تغيير الأشياء من حولنا. قد تكون الكلمة صرخة والصرخة كلمة حية تنبعث من جسد منهك حتى الموت.
كانت لتلك الكلمات البسيطة أثرها البليغ في نفوس الجماهير المستاءة وكانت الشرارة الأولى التي أشعلت نار الغضب .حمل مرزوق على الأكتاف رغما عنه فوجد نفسه بالصدفة على ناصية المواجهة لأحداث لم تكن في الحسبان وفي غمرة الأحداث المتسارعة اخترقت جبينه رصاصة طائشة وقبل أن يغمى عليه تجول ببصره عبر الساحة صادفه سقوط تمثالا الأسدين الرخاميين من قاعدتيهما وحين رفع رأسه بصعوبة تراءت له أسراب عصافير رمادية اللون تحجب الرؤية. اختفت الشمس وحل الظلام.
[img]وبينما هو على حاله إذ تنتشله من غفوته موسيقى صاخبة تصم الأذان تنبعث من سيارة فاخرة تمر بمقربته لم يستطع استيعاب من كلماتها البذيئة إلا كلمة ما ما عليهش .هز رأسه بحسرة فوقعت عيناه على بناية تآكلت جدرانها وعشش بها الحمام .تذكر مسرحية الأجواد وسخونة فصلها الأخير وتلك الجماهير المتزاحمة أمام الشبابيك المقفلة.أمعن النظر ثانية للمكان فلم يظهر له إلا طيف امرأة لم يتعد سنها العقدين اتخذت من المدخل الرئيسي للبناية مأوى لها ليس لها من الأمتعة إلا بعض اللوازم القذرة وفي حضنها رضيع يملأ المكان صراخا لعل قساوة شباط نالت منه أو أراد حليبا لم يعد ثدي تلك البائسة يوفره له.توقف مرزوق البلاندي عن التفكير وامتلكه شيء من الرعب. ..
راح يعد الخطوات يمينا وشمالا، من حين إلى أخر يترقب ساعته في قلق متزايد ، يحملق في وجوه العابرين ممن تلفظهم الحافلات عند المنتهى حتى خيل إليهم أنه مجنون أو مدمن حان وقت حقنته.أشعل سيجارة ولم تأت ثم أخرى ولم تأت.أمضى نصف ساعة وكأنه أمضى نصف عمره ولم تأت.. في اللحظة التي قرر فيها مغادرة المكان رآها من خلف الزجاج تتأهب للنزول وفي يدها جريدة كادت أن تتمزق.كانت ترتدي معطفا أسودا وكأنها في حداد، معطفا أسودا كعينيها الواسعتين و قبل أن تطأ رجليها الإسفلت مدت له يدها مصافحة فأحس ببرودة الأموات تخترق جسده المتداعي ، تتسلل لدمه وتستقر بين أحشائه الملتهبة. أحس بيدها ترتعش ومعها جسدها الرشيق الذي لم يرتعش يوما،أدرك أن هناك شيء ما يؤرقها.نظر إليها باستغراب وحزن عميق لم يجد لهما تفسيرا. أمعن النظر ثانية إلى عينيها الواسعتين، رأى في سوادهما وجهه ، تراءت له أولى تجاعيد جبهته فامتلكه شيء من الرعب كذاك الذي يخيم على المدينة...
مر العمر ولم يشعر به.لم يواجه نفسه منذ أن كسر مرآة الخزانة ليلة زفاف سمراء وحاول أن ينتحر.تزوجت سمراء وكره جميع النساء ومن يومها طوى كل صفحات الماضي الأليم. ها هو اليوم يبدو أنه قد تغير .انه يدرك هذا منذ أن وقف على شغفه وهيامه الضارب في عمق أحلامه للواقفة أمامه.
للوهلة الأولى ضنت أنه يعلم الخبر، فتحت الجريدة وقالت : إنها الكارثة. رد عليها مستفسرا عن أي كارثة تتحدثين؟ قالت : صابر انتحر وأجهشت بالبكاء.. وهو يهدأ من روعها قال : عاش تعيسا ومات تعيسا. انتحر صابر لكن تبقى صرخته الأخيرة مدوية تزعج ليل المدينة لعل ذبذباتها توقظ الأسدين من سباتهما العميق وتجنب المدينة الجنون.
نظرت إليه بعينين دامعتين وقالت حتى أنت يا مرزوق تتحدث عن الجنون كصابر،أخشى عليك من الانتحار.قاطعها بهدوء وقال ما دمت تخشين علي لن يصبني أي مكروه يكفي أن تطالعنا الجرائد يوميا بأخبار ممن لا يجدون من يخشى عليهم وهذا شيء رهيب.
وضع يده بكل رفق على كتفها وقال هيا بنا إلى هناك لعلنا هذه المرة نحضى بالاستقبال ويستمع إلينا.
عند باحة العمادة تفاجئا بحشد كبير من الناس غص بهم المكان جاءوا كلهم لمقابلة المسئول الأول عن المدينة وبعد انتظار طويل أعلن الحاجب أن المسئول في اجتماع مهم لا يمكنه مقابلتهم .تعالت الأصوات مستنكرة وارتسمت خيبة الأمل والانكسار على الوجوه الشاحبة.التفت مرزوق إلى الحاجب لعله يلفت انتباهه بأنه لم يأت للمرة الأولى وحاجته تختلف عن حاجات الآخرين .قال بنبرة متفائلة أحيانا نقف حائرين من أمرنا ،عاجزين عن الكلام نقبر كلماتنا في صدورنا .تتفاعل ،تتصادم،تتطاحن،تغفوا لكنها لا تموت .قد تنوب قسماتنا عن شفاهنا وتكون مرآة عاكسة لما بداخلنا لكن تبقى الكلمة هي الكلمة وحدها باستطاعتها تغيير الأشياء من حولنا. قد تكون الكلمة صرخة والصرخة كلمة حية تنبعث من جسد منهك حتى الموت.
كانت لتلك الكلمات البسيطة أثرها البليغ في نفوس الجماهير المستاءة وكانت الشرارة الأولى التي أشعلت نار الغضب .حمل مرزوق على الأكتاف رغما عنه فوجد نفسه بالصدفة على ناصية المواجهة لأحداث لم تكن في الحسبان وفي غمرة الأحداث المتسارعة اخترقت جبينه رصاصة طائشة وقبل أن يغمى عليه تجول ببصره عبر الساحة صادفه سقوط تمثالا الأسدين الرخاميين من قاعدتيهما وحين رفع رأسه بصعوبة تراءت له أسراب عصافير رمادية اللون تحجب الرؤية. اختفت الشمس وحل الظلام.
6/8/2023, 9:34 pm من طرف روان علي شريف
» أنا بهذه اللحظة
10/28/2021, 8:01 am من طرف جاك
» على الرصيف
6/13/2020, 5:40 pm من طرف روان علي شريف
» بوابة الجحيم
6/13/2020, 4:58 pm من طرف روان علي شريف
» الكاتب علي شريف روان في حوار لـ"الديوان"
6/28/2019, 5:05 pm من طرف روان علي شريف
» فردوس مليندا المفقود.
3/12/2019, 1:20 am من طرف روان علي شريف
» بدري فركوح
3/4/2019, 11:56 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ليلى العفيفة
3/4/2019, 11:52 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مجموعة مؤلفات محمد حسنين هيكل
1/27/2019, 3:42 pm من طرف نبيل اوزاعي
» ألفية العياط فى النحو
11/9/2018, 3:13 am من طرف محمود العياط
» ديوان إنشق القمر
8/14/2018, 2:05 am من طرف محمود العياط
» ديوان بومبا والاقزام
2/25/2018, 3:39 am من طرف محمود العياط
» بريد الموتى
1/23/2018, 2:35 am من طرف روان علي شريف
» ديوان دحش قرم ودانك
12/21/2017, 4:33 am من طرف محمود العياط
» ديوان حادى يابادى يا كرنب زبادى
10/14/2017, 6:21 am من طرف محمود العياط
» من عجائب الأرقام
5/24/2017, 9:36 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ابن الرومي
5/24/2017, 9:20 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» قصيدة حبك وقلبى
8/13/2016, 11:05 pm من طرف محمود العياط
» الأعشى الأكبر
6/11/2016, 4:17 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مساء الخير
5/2/2015, 8:40 am من طرف السراب
» مي زيادة
4/22/2015, 11:17 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» لبيد بن ربيعة
12/28/2014, 4:44 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» زهير بن أبي سلمى
12/20/2014, 4:32 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» جبران خليل جبران
12/5/2014, 2:16 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» إيايا أبو ماضي
11/5/2014, 2:09 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» حمل برنامح تعلم اللغة الانجليزيه على جهازك المحمول
9/11/2014, 10:04 pm من طرف poopy87
» أوبريت ملحمة تحتمس الرابع ولوحة الاحلام
7/28/2014, 9:41 am من طرف محمود العياط
» سيف الفراق
7/22/2014, 2:59 am من طرف محمود العياط
» ديوان اعشقك جدا
7/22/2014, 2:56 am من طرف محمود العياط
» ديوان الحديث مع النفس البشرية
7/22/2014, 2:54 am من طرف محمود العياط
» عمرو بن كلثوم
6/14/2014, 6:02 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» طرفة بن العبد
5/28/2014, 5:26 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ديوان رصاصة فى قلب الجياد العجوزة
5/20/2014, 10:40 pm من طرف محمود العياط
» شهداء 6 أيار 1916
5/6/2014, 5:45 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» الياس قنصل
4/23/2014, 4:20 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» زكي قنصل
4/23/2014, 4:18 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» فضائية الجزيرة إحدى أسلحة قطر
4/3/2014, 6:05 pm من طرف طالب علي
» إضافة رائعة للفايرفوكس ( ميزة AutoPager ) تجعل كل المواضيع في صفحة واحدة
4/2/2014, 4:47 pm من طرف العـدوي
» محمود درويش مؤلفات ودواوين
3/20/2014, 9:56 pm من طرف wadfay
» حاتم الطائي
3/20/2014, 6:35 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» حكمة اليوم
3/2/2014, 6:03 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» امرؤ القيس
3/2/2014, 5:55 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» محتويات مكتبة الروايات
2/9/2014, 4:26 pm من طرف أريج الورد
» تقديم ديوان رصاصة فى قلب الجياد العجوزة محمود العياط
2/1/2014, 8:33 pm من طرف محمود العياط
» الحارث بن حلزة
1/21/2014, 7:36 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مجموعة من الاغاني النادرة لكاظم الساهر تجدونها عند السراب فقط لا غير
1/19/2014, 10:02 am من طرف mas12ter
» رخصة زواج للمؤجل اداريا
1/8/2014, 9:17 am من طرف anas198510
» الف ليلة وليلة
1/8/2014, 2:01 am من طرف سعيد خليف
» عنترة العبسي
1/5/2014, 6:30 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» معجم المصطلحات النفسية انكليزي فرنسي عربي
11/24/2013, 1:33 pm من طرف محمد حمد