لم أر في كلام العلماء أفضـل من تلخيص الإمـام ابن القيم رحمه الله لسرّ أسرار الصلاة إذ قال: ( للعبد بين يدي الله موقفان ، موقف بين يديه في الصلاة ، وموقف بين يديه يوم لقائه ، فمن قام بحق الموقف الأول ، هـُوِّن عليه الموقف الآخر ، ومن استهان بهذا الموقف ، ولم يوفـّه حقه ، شُّـدّد عليـه ذلك الموقــف ، قال تعالـى : ( ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا ، إنَّ هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوماً ثقيلا
وقال في كتابه العظيم أسرار الصلاة : ( فاعلم أنَّه لا ريب أنَّ الصلاة قـرّة عُيون المحبّين ، و لذّة أرواح الموحدين ، و بستان العابدين و لذّة نفوس الخاشعين ، و محكّ أحوال الصادقين ، و ميزان أحوال السالكيـن ، و هي رحمةُ الله المهداة إلى عباده المؤمنين )
وقال أيضا : ( ولما امتحن الله سبحانه عبده بالشهوة ، و أشباهها من داخل فيه ، و خارج عنه ، اقتضت تمام رحمته به ، و إحسانه إليه ، أن هيّـأ له مأدبة ، قد جمعت من جميع الألوان ، و التحف ، و الخلع ، و العطايا ، و دعاه إليها كل يوم خمس مرَّات ، و جعل في كلّ لون من ألوان تلك المأدبة ، لذّة ، و منفعة ، و مصلحة ، ووقار لهذا العبد الذي قد دعاه إلى تلك المأدبة ، ليست في اللون الآخر ، لتكمل لذّة عبده في كلّ من ألوان العبودية ، و يُكرمه بكلِّ صنفٍ من أصناف الكرامة ، و يكون كلّ فعل من أفعال تلك العبودية ، مُكفّرا لمذموم كان يكرهه بإزائه ، و يثيبه عليه نوراً خاصا ، فإنَّ الصلاة نورٌ ، و قوّة في قلبه ، و جوارحه ، و سعة في رزقه ، و محبة في العباد له ..
فيصدر المدعو من هذه المأدبة ، و قد أشبعه ، و أرواه ، و خلع عليه بخلع القبول ، و أغناه ، و ذلك أنَّ قلبه كان قبل أن يأتي هذه المأدبة ، قد ناله من الجوع ، و القحط و الجذب ، و الظمأ ، و العري ، والسقم ما ناله ، فصدر من عنده ، و قد أغناه ، و أعطاه من الطعام ، و الشراب ، و اللباس ، و التحف ما يغنيه )
والصلاة هي زكاة الوقت ، فكما أنَّ للمال زكاة ، فللعمـر زكاة ، ولهذا كانـت الصلاة هي سـرُّ بركة العمر ، وكلَّما كان العبد معظِّمـا لها ، كانت بركة عمـره أعظـم من غيـره ، وعمله فيه كذلك .
ولهذا لاينظر الله تعالى إلى أي عمل من العبد يوم القيامة قبل نظره إلى الصلاة ، فإن صلحت صلح عمله ، وإن فسدت فسد عملُه ، كما لايقبل الصدقة ممن منع الزكاة .
ولهذا كانت هـي قرُّة عين النبـيِّ صلـى الله عليه وآلـه وسلـم ، وكان يقــول لبلال ( أ رحنا بها يا بلال ) .
وسرُّ أسرارها أنها لقاء العبـد بربِّه ، وإتصاله بخالقه ، ولهذا ورد في الحديث أنَّ المصلي يناجي ربه وأنه سبحانه يجيب المصلـّي في قراءة الفاتحة كما سيأتي.
وأوّل أسرارها ، أنَّ الإستعداد لها بالتطهّر من الذنوب بالوضوء فالشهادتين بعده ، لتفتح للعبد أبواب الجنة الثمانية ، فيستقبل هذا الإكرام الإلهي العظيم ، بأعظم عبادة وهي الصلاة.
ثم يكبـِّر معلنـاً خلع كلِّ ما سوى الله تعالى ، وإلقاءه وراءه ظهره ، إذ لايستحق أي شيءٍ حتـّى أن يخطر على باله ، وهو يقف هذا المقام العظيم بين يدي ملك الملوك .
ثم لايبدأ بشيء وهو يقف بين يديْ سيّده ، قبل البراءة من ذنوبه ، وطلب المغفرة من ربّه ، إذ كانت الذنوب هي الحائل بين العبد ، وبين كـلّ خيرٍ ، كما في حديث الإستفتاح ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي ..الحديث ) .
أو يسبّح الله ، وينزّهه ، ويحمدُه ، ويُثني عليه بأفضل الثناء في الإستفتـاح الآخــَـر ( سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمـك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك ).
ثم لمـَّا كان الشيطان أحرص ما يكون على أن يحـول بين العبد ، وبين الإنتفاع من هذا الموقف الجليل الذي هو غذاء الروح ، ودواؤُها ، ورواء النفس ، وشفاؤُها ، أُمـر المصلّي أن يستعيذ في هذا المقام العظيم بالله من الشيطان الرجيـم ، من نفخه ، ونفثه ، ونزغه .
ثم أوّل شيءٍ يبدأ بـه بعد ال ، أن يقول : الحمد لله رب العالمين ،
فيحمد الله تعالى الذي أذن له أن يقف بين يديه ، وهداه إلى هذا الحال ، ورفعه إلى هذا المآل ، فكم من شقيِّ قـد حُرم من هذا الدخول ، وأُبعـد عن هذا الوصول.
فإذا قالها : أجابه ربُّه : حمدنـي عبـدي ، ثم إذا قال : الرحمن الرحيم ، أجابه ربُّه : أثنـي عليّ عبدي ، ثم إذا قال : مالك يوم الدين ، قال الله تعالى : مجّدني ، فإذا قال : إياك نعبد ، وإياك نستعين ، قال الله تعالى: هذه بيني ، وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : إهدنا الصراط المستقيم ، قال الله تعالى : هذه لعبدي ، ولعبدي ما سأل ، وأما بقيّة هذه السورة الجليلة ، فهو وصف لصراط الهدى ، ولأهله .
ولاريب أنَّ هذا الدعاء : إهدنا الصراط المستقيم ، هو أنفع دعاء مختصر يدعو به العبد مطلقا ، ذلك أنَّه يجمع له الخير كلَّه ، ويصرف عنه الشرَّ كلّه .
ثم بعدما يقرأ ما تيسـَّر من القرآن ، قانتـاً لله تعالى ، واقفاً بين يدي ربّه موقف العبد الذليل ، يتلو كلام الله ، ويملأ قلبه من هذا الينبوع الإلهـي ، فيطهّر روحه به ، ويخرج منه وساوس الشيطان ، ورجس الذنوب ،
يفعل ذلك ليتهيأ بعده ، لينال أعظم شرف يناله مخلوق في الوجـود .
وهو أن يُشِّرفـه الله بالإذن له بالركوع بين يدي ملك الملوك ، فيركع معظّماً لسيده ، ويسبّحه تسبيحا مقرونا بتعظيمه .
ثم يرتفع حامداً ربه على أن فضّله بهذه النعمة العظيمة ، وشرّفـه بهذه المنـّة الجليلة ، ويقول : ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركا فيه ، ملء السموات ،وملء الأرض ، وملء ما بينهما ، وملء ما شئت من شيءٍ بعـد .
ثم بعدما شرفه الله بالركوع ، فحمد الله تعالى عليه ، استحـقّ بالشكر المزيد ، فحينئذٍ يأذن الله تعالى له بالسجـود ، وهو أعظم تقريب للعبد من الله تعالى ، كما في الحديث ( أقرب ما يكون أحدكم من ربه وهو ساجد ) ، وهو أجل مقامات العبودية ، ولهذا لما طلب ذلك الصحابيّ من النبيّ أن يرافقه في الجنة ، قال له : أعنّي على نفسك بكثرة السجود ، وفي الحديث : لايسجد العبد لربه سجدة إلاّ رفعه الله بها درجة ، وحطّ عنه بها خطيئة .
فيسجد لربّه مسبّحا له في عُلاه ، ولمـَّا كان الساجد في غاية العبودية ، والذلّ ، ناسب أن يسبَّح الله بإسمه الأعلى ، وليتوسَّل بهذا الإسم ليرفعه الله تعالى ، ويُعلي قدره.
والسجود هو معراج الرفعة عند الله تعالى ، ولهذا ورد في الحديث ( شرف المؤمن قيام الليل ) ، وإنما يرفع الله تعالى محمداً على الأوّلين ، والآخرين ، في القيامة ، إثـر سجوده تحت العرش ، فيعلّمه الله محامد ، لم يفتح الله بها على أحدٍ سواه ، فيُعطى بذلك المقام المحمود ، الذي يشرفه به على الخلق أجمعين ، وهم جميعا عليه شاهدين ، وقـد نال هذا الشرف العظيم أيضا بسجوده في ليالي الدنيا ، كما قال تعالى ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك ، عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) وقال تعالى ( وتقلّبك في الساجـدين ) .
ولما كان هذه النعمة الجليلة ، والمنّـة العظيمة ، أعني أن يأذن الله تعالى لعبده الذي هو لاشيء أصلا ، أن يبلغ هذا المبلغ العظيم ، ويصل إلى هذه الحضرة الإلهية الشريفة العليّة ، لما كانت هذه النعمـة لايطيق العبد شكرها ، ناسب أن يستغفر الله تعالى بعدها فيقول : رب اغفر لي ، رب اغفر لي .
أي ربّ اغفر لي تقصيري ، وكيف لي أن أكون بهذا القرب منك ومعي ذنوبي ، وإنـّي مهما فعلت ، فلن أطيق شكر هذا التقريب إليك ، وإذنك لي أن أسجـد بين يديك ، مع كثرة خطاياي ، وعظيم ذنوبي ، وتقصيري .
ولما كان هذا الموطن من الصلاة ، أعني الجلوس بين السجدتين ، قد إستمد جلالته من وقوعه بين أعظم عبوديتين ، أعني السجدتين .. أيضا أن يدعو بخير الدنيا والآخرة ، ولهذا علم النبي أحد الصحابة أن يقول في هـذا الموضع : ( رب اغفر لي ، وارحمني ، واهدني ، واجبرني ، وعافني ، وارزقني ) وقال له : إنّ هذه تجمع لك دنياك ، وآخرتك .
وأما تكبيرات الإنتقال ، فسرُّها أنّ حـقّ العبد أن لايتحرّك منه ساكـنٌ ، ولا تطرف له عينٌ ، وهو واقف بين يدي ملك المـلوك ، سيد الأكوان ، ولهذا إذا تحرك من قيامه ليركع ، ناسب أن يجـلّ ربه أن يتحرَّك أيّ حركة بين يديه ، إلاّ بالتعظيم ، والتبجيل ، ولاتكون هذه الحركة إلاّ من القيام الذي هو عبوديـّة القنـوت ، إلى مقام عبودية أجـلّ منه ، وهو الركوع ، ثم إلى السجود أجلّ مقامات العبودية ، أو العودة إلى تكرار هذا الترتـيب .
وبهذه الأفعـال تكون الصلاة قد اكتملت ، ولم يبق إلاّ تكرار هذه العبوديات ، وذلك أنَّ الصلاة مثل المائدة التي تحتوي على غذاء القلب ، وشفاء الروح ، فلا بد من أخذهما شيئـاً بعـد شيء ، وتكرارهما ، حتى يعظم انتفاع الروح بهما .
وقال في كتابه العظيم أسرار الصلاة : ( فاعلم أنَّه لا ريب أنَّ الصلاة قـرّة عُيون المحبّين ، و لذّة أرواح الموحدين ، و بستان العابدين و لذّة نفوس الخاشعين ، و محكّ أحوال الصادقين ، و ميزان أحوال السالكيـن ، و هي رحمةُ الله المهداة إلى عباده المؤمنين )
وقال أيضا : ( ولما امتحن الله سبحانه عبده بالشهوة ، و أشباهها من داخل فيه ، و خارج عنه ، اقتضت تمام رحمته به ، و إحسانه إليه ، أن هيّـأ له مأدبة ، قد جمعت من جميع الألوان ، و التحف ، و الخلع ، و العطايا ، و دعاه إليها كل يوم خمس مرَّات ، و جعل في كلّ لون من ألوان تلك المأدبة ، لذّة ، و منفعة ، و مصلحة ، ووقار لهذا العبد الذي قد دعاه إلى تلك المأدبة ، ليست في اللون الآخر ، لتكمل لذّة عبده في كلّ من ألوان العبودية ، و يُكرمه بكلِّ صنفٍ من أصناف الكرامة ، و يكون كلّ فعل من أفعال تلك العبودية ، مُكفّرا لمذموم كان يكرهه بإزائه ، و يثيبه عليه نوراً خاصا ، فإنَّ الصلاة نورٌ ، و قوّة في قلبه ، و جوارحه ، و سعة في رزقه ، و محبة في العباد له ..
فيصدر المدعو من هذه المأدبة ، و قد أشبعه ، و أرواه ، و خلع عليه بخلع القبول ، و أغناه ، و ذلك أنَّ قلبه كان قبل أن يأتي هذه المأدبة ، قد ناله من الجوع ، و القحط و الجذب ، و الظمأ ، و العري ، والسقم ما ناله ، فصدر من عنده ، و قد أغناه ، و أعطاه من الطعام ، و الشراب ، و اللباس ، و التحف ما يغنيه )
والصلاة هي زكاة الوقت ، فكما أنَّ للمال زكاة ، فللعمـر زكاة ، ولهذا كانـت الصلاة هي سـرُّ بركة العمر ، وكلَّما كان العبد معظِّمـا لها ، كانت بركة عمـره أعظـم من غيـره ، وعمله فيه كذلك .
ولهذا لاينظر الله تعالى إلى أي عمل من العبد يوم القيامة قبل نظره إلى الصلاة ، فإن صلحت صلح عمله ، وإن فسدت فسد عملُه ، كما لايقبل الصدقة ممن منع الزكاة .
ولهذا كانت هـي قرُّة عين النبـيِّ صلـى الله عليه وآلـه وسلـم ، وكان يقــول لبلال ( أ رحنا بها يا بلال ) .
وسرُّ أسرارها أنها لقاء العبـد بربِّه ، وإتصاله بخالقه ، ولهذا ورد في الحديث أنَّ المصلي يناجي ربه وأنه سبحانه يجيب المصلـّي في قراءة الفاتحة كما سيأتي.
وأوّل أسرارها ، أنَّ الإستعداد لها بالتطهّر من الذنوب بالوضوء فالشهادتين بعده ، لتفتح للعبد أبواب الجنة الثمانية ، فيستقبل هذا الإكرام الإلهي العظيم ، بأعظم عبادة وهي الصلاة.
ثم يكبـِّر معلنـاً خلع كلِّ ما سوى الله تعالى ، وإلقاءه وراءه ظهره ، إذ لايستحق أي شيءٍ حتـّى أن يخطر على باله ، وهو يقف هذا المقام العظيم بين يدي ملك الملوك .
ثم لايبدأ بشيء وهو يقف بين يديْ سيّده ، قبل البراءة من ذنوبه ، وطلب المغفرة من ربّه ، إذ كانت الذنوب هي الحائل بين العبد ، وبين كـلّ خيرٍ ، كما في حديث الإستفتاح ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي ..الحديث ) .
أو يسبّح الله ، وينزّهه ، ويحمدُه ، ويُثني عليه بأفضل الثناء في الإستفتـاح الآخــَـر ( سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمـك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك ).
ثم لمـَّا كان الشيطان أحرص ما يكون على أن يحـول بين العبد ، وبين الإنتفاع من هذا الموقف الجليل الذي هو غذاء الروح ، ودواؤُها ، ورواء النفس ، وشفاؤُها ، أُمـر المصلّي أن يستعيذ في هذا المقام العظيم بالله من الشيطان الرجيـم ، من نفخه ، ونفثه ، ونزغه .
ثم أوّل شيءٍ يبدأ بـه بعد ال ، أن يقول : الحمد لله رب العالمين ،
فيحمد الله تعالى الذي أذن له أن يقف بين يديه ، وهداه إلى هذا الحال ، ورفعه إلى هذا المآل ، فكم من شقيِّ قـد حُرم من هذا الدخول ، وأُبعـد عن هذا الوصول.
فإذا قالها : أجابه ربُّه : حمدنـي عبـدي ، ثم إذا قال : الرحمن الرحيم ، أجابه ربُّه : أثنـي عليّ عبدي ، ثم إذا قال : مالك يوم الدين ، قال الله تعالى : مجّدني ، فإذا قال : إياك نعبد ، وإياك نستعين ، قال الله تعالى: هذه بيني ، وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : إهدنا الصراط المستقيم ، قال الله تعالى : هذه لعبدي ، ولعبدي ما سأل ، وأما بقيّة هذه السورة الجليلة ، فهو وصف لصراط الهدى ، ولأهله .
ولاريب أنَّ هذا الدعاء : إهدنا الصراط المستقيم ، هو أنفع دعاء مختصر يدعو به العبد مطلقا ، ذلك أنَّه يجمع له الخير كلَّه ، ويصرف عنه الشرَّ كلّه .
ثم بعدما يقرأ ما تيسـَّر من القرآن ، قانتـاً لله تعالى ، واقفاً بين يدي ربّه موقف العبد الذليل ، يتلو كلام الله ، ويملأ قلبه من هذا الينبوع الإلهـي ، فيطهّر روحه به ، ويخرج منه وساوس الشيطان ، ورجس الذنوب ،
يفعل ذلك ليتهيأ بعده ، لينال أعظم شرف يناله مخلوق في الوجـود .
وهو أن يُشِّرفـه الله بالإذن له بالركوع بين يدي ملك الملوك ، فيركع معظّماً لسيده ، ويسبّحه تسبيحا مقرونا بتعظيمه .
ثم يرتفع حامداً ربه على أن فضّله بهذه النعمة العظيمة ، وشرّفـه بهذه المنـّة الجليلة ، ويقول : ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركا فيه ، ملء السموات ،وملء الأرض ، وملء ما بينهما ، وملء ما شئت من شيءٍ بعـد .
ثم بعدما شرفه الله بالركوع ، فحمد الله تعالى عليه ، استحـقّ بالشكر المزيد ، فحينئذٍ يأذن الله تعالى له بالسجـود ، وهو أعظم تقريب للعبد من الله تعالى ، كما في الحديث ( أقرب ما يكون أحدكم من ربه وهو ساجد ) ، وهو أجل مقامات العبودية ، ولهذا لما طلب ذلك الصحابيّ من النبيّ أن يرافقه في الجنة ، قال له : أعنّي على نفسك بكثرة السجود ، وفي الحديث : لايسجد العبد لربه سجدة إلاّ رفعه الله بها درجة ، وحطّ عنه بها خطيئة .
فيسجد لربّه مسبّحا له في عُلاه ، ولمـَّا كان الساجد في غاية العبودية ، والذلّ ، ناسب أن يسبَّح الله بإسمه الأعلى ، وليتوسَّل بهذا الإسم ليرفعه الله تعالى ، ويُعلي قدره.
والسجود هو معراج الرفعة عند الله تعالى ، ولهذا ورد في الحديث ( شرف المؤمن قيام الليل ) ، وإنما يرفع الله تعالى محمداً على الأوّلين ، والآخرين ، في القيامة ، إثـر سجوده تحت العرش ، فيعلّمه الله محامد ، لم يفتح الله بها على أحدٍ سواه ، فيُعطى بذلك المقام المحمود ، الذي يشرفه به على الخلق أجمعين ، وهم جميعا عليه شاهدين ، وقـد نال هذا الشرف العظيم أيضا بسجوده في ليالي الدنيا ، كما قال تعالى ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك ، عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) وقال تعالى ( وتقلّبك في الساجـدين ) .
ولما كان هذه النعمة الجليلة ، والمنّـة العظيمة ، أعني أن يأذن الله تعالى لعبده الذي هو لاشيء أصلا ، أن يبلغ هذا المبلغ العظيم ، ويصل إلى هذه الحضرة الإلهية الشريفة العليّة ، لما كانت هذه النعمـة لايطيق العبد شكرها ، ناسب أن يستغفر الله تعالى بعدها فيقول : رب اغفر لي ، رب اغفر لي .
أي ربّ اغفر لي تقصيري ، وكيف لي أن أكون بهذا القرب منك ومعي ذنوبي ، وإنـّي مهما فعلت ، فلن أطيق شكر هذا التقريب إليك ، وإذنك لي أن أسجـد بين يديك ، مع كثرة خطاياي ، وعظيم ذنوبي ، وتقصيري .
ولما كان هذا الموطن من الصلاة ، أعني الجلوس بين السجدتين ، قد إستمد جلالته من وقوعه بين أعظم عبوديتين ، أعني السجدتين .. أيضا أن يدعو بخير الدنيا والآخرة ، ولهذا علم النبي أحد الصحابة أن يقول في هـذا الموضع : ( رب اغفر لي ، وارحمني ، واهدني ، واجبرني ، وعافني ، وارزقني ) وقال له : إنّ هذه تجمع لك دنياك ، وآخرتك .
وأما تكبيرات الإنتقال ، فسرُّها أنّ حـقّ العبد أن لايتحرّك منه ساكـنٌ ، ولا تطرف له عينٌ ، وهو واقف بين يدي ملك المـلوك ، سيد الأكوان ، ولهذا إذا تحرك من قيامه ليركع ، ناسب أن يجـلّ ربه أن يتحرَّك أيّ حركة بين يديه ، إلاّ بالتعظيم ، والتبجيل ، ولاتكون هذه الحركة إلاّ من القيام الذي هو عبوديـّة القنـوت ، إلى مقام عبودية أجـلّ منه ، وهو الركوع ، ثم إلى السجود أجلّ مقامات العبودية ، أو العودة إلى تكرار هذا الترتـيب .
وبهذه الأفعـال تكون الصلاة قد اكتملت ، ولم يبق إلاّ تكرار هذه العبوديات ، وذلك أنَّ الصلاة مثل المائدة التي تحتوي على غذاء القلب ، وشفاء الروح ، فلا بد من أخذهما شيئـاً بعـد شيء ، وتكرارهما ، حتى يعظم انتفاع الروح بهما .
6/8/2023, 9:34 pm من طرف روان علي شريف
» أنا بهذه اللحظة
10/28/2021, 8:01 am من طرف جاك
» على الرصيف
6/13/2020, 5:40 pm من طرف روان علي شريف
» بوابة الجحيم
6/13/2020, 4:58 pm من طرف روان علي شريف
» الكاتب علي شريف روان في حوار لـ"الديوان"
6/28/2019, 5:05 pm من طرف روان علي شريف
» فردوس مليندا المفقود.
3/12/2019, 1:20 am من طرف روان علي شريف
» بدري فركوح
3/4/2019, 11:56 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ليلى العفيفة
3/4/2019, 11:52 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مجموعة مؤلفات محمد حسنين هيكل
1/27/2019, 3:42 pm من طرف نبيل اوزاعي
» ألفية العياط فى النحو
11/9/2018, 3:13 am من طرف محمود العياط
» ديوان إنشق القمر
8/14/2018, 2:05 am من طرف محمود العياط
» ديوان بومبا والاقزام
2/25/2018, 3:39 am من طرف محمود العياط
» بريد الموتى
1/23/2018, 2:35 am من طرف روان علي شريف
» ديوان دحش قرم ودانك
12/21/2017, 4:33 am من طرف محمود العياط
» ديوان حادى يابادى يا كرنب زبادى
10/14/2017, 6:21 am من طرف محمود العياط
» من عجائب الأرقام
5/24/2017, 9:36 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ابن الرومي
5/24/2017, 9:20 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» قصيدة حبك وقلبى
8/13/2016, 11:05 pm من طرف محمود العياط
» الأعشى الأكبر
6/11/2016, 4:17 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مساء الخير
5/2/2015, 8:40 am من طرف السراب
» مي زيادة
4/22/2015, 11:17 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» لبيد بن ربيعة
12/28/2014, 4:44 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» زهير بن أبي سلمى
12/20/2014, 4:32 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» جبران خليل جبران
12/5/2014, 2:16 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» إيايا أبو ماضي
11/5/2014, 2:09 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» حمل برنامح تعلم اللغة الانجليزيه على جهازك المحمول
9/11/2014, 10:04 pm من طرف poopy87
» أوبريت ملحمة تحتمس الرابع ولوحة الاحلام
7/28/2014, 9:41 am من طرف محمود العياط
» سيف الفراق
7/22/2014, 2:59 am من طرف محمود العياط
» ديوان اعشقك جدا
7/22/2014, 2:56 am من طرف محمود العياط
» ديوان الحديث مع النفس البشرية
7/22/2014, 2:54 am من طرف محمود العياط
» عمرو بن كلثوم
6/14/2014, 6:02 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» طرفة بن العبد
5/28/2014, 5:26 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» ديوان رصاصة فى قلب الجياد العجوزة
5/20/2014, 10:40 pm من طرف محمود العياط
» شهداء 6 أيار 1916
5/6/2014, 5:45 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» الياس قنصل
4/23/2014, 4:20 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» زكي قنصل
4/23/2014, 4:18 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» فضائية الجزيرة إحدى أسلحة قطر
4/3/2014, 6:05 pm من طرف طالب علي
» إضافة رائعة للفايرفوكس ( ميزة AutoPager ) تجعل كل المواضيع في صفحة واحدة
4/2/2014, 4:47 pm من طرف العـدوي
» محمود درويش مؤلفات ودواوين
3/20/2014, 9:56 pm من طرف wadfay
» حاتم الطائي
3/20/2014, 6:35 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» حكمة اليوم
3/2/2014, 6:03 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» امرؤ القيس
3/2/2014, 5:55 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» محتويات مكتبة الروايات
2/9/2014, 4:26 pm من طرف أريج الورد
» تقديم ديوان رصاصة فى قلب الجياد العجوزة محمود العياط
2/1/2014, 8:33 pm من طرف محمود العياط
» الحارث بن حلزة
1/21/2014, 7:36 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» مجموعة من الاغاني النادرة لكاظم الساهر تجدونها عند السراب فقط لا غير
1/19/2014, 10:02 am من طرف mas12ter
» رخصة زواج للمؤجل اداريا
1/8/2014, 9:17 am من طرف anas198510
» الف ليلة وليلة
1/8/2014, 2:01 am من طرف سعيد خليف
» عنترة العبسي
1/5/2014, 6:30 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية
» معجم المصطلحات النفسية انكليزي فرنسي عربي
11/24/2013, 1:33 pm من طرف محمد حمد