استقلال شرط التحكيم عن العقد الذي يتضمنه للدكتور غسان علي

استقلال شرط التحكيم عن العقد الذي يتضمنه
إعداد
الدكتور غسان علي
أستاذ التحكيم في المعهد القضائي بوزارة العدل
محاضر بكلية الحقوق جامعة تشرين
محكم تجاري دولي

اتفاق التحكيم هو حجر الزاوية في النظام التحكيم ،لأنه هو الذي يظهر إرادة الأطراف في اللجوء إلى التحكيم ،وهو الأساس الذي ترتكز عليه هيئة التحكيم في عملها ،لأنه الذي يضفي عليها الشرعية ،فبدون هذا الاتفاق لا يمكن أن يجري التحكيم أو يتم والقاعدة العامة في هذا الشأن هي انه "لا تحكيم بدون اتفاق تحكيم"1 .
وقد ذهبت محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر في 1/6/1999 إلى أنه "وفقاً للمبادئ الأساسية للتحكيم الدولي فإن العقد التحكيمي هو الذي يجيز تنصيب المحكم فالإرادة المشتركة للطرفين هي وحدها حصراً التي تمنح المحكم سلطته القضائية "2 لذا فإن أول ما ينبغي على المحكم أو القاضي هو أن يتحقق من وجود اتفاق التحكيم .
ويتم اتفاق التحكيم بصور مختلفة ، منها ما يكون قبل وقوع النزاع (شرط تحكيم)
ومنها ما يكون بعد وقوعه (مشارطة تحكيم ) وتعتبر هاتان الصورتان كما يرى البعض بحق الأساس الذي يستند إليه تصورنا للتحكيم3.
وعادة ما يرد شرط التحكيم ضمن العقد المعلق به النزاع وهنا يثور التساؤل عن اثر بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه على شرط التحكيم ؟
فعلى الرغم من أن المنطق القانوني يقضي بأنه إذا فسخ أو أبطل العقد الذي يتضمن شرط التحكيم لأي سبب فإن هذا البطلان شرط التحكيم باعتباره جزء منه ، إلا أن الرأي الراجح في الفقه يذهب إلى استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي الذي نشب عنه المنازعة وعدم تأثره باحتمال فسخ أو بطلان العقد الذي كان الشرط أحد بنوده .ويعرف هذا المبدأ استقلال شرط التحكيم .









------------------------------
1_ كريستوف إمهوس وهيرومان فيربست :التحكيم والوسائل البديلة لحسم المنازعات ، ترجمة مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي ، 2004،ص 40.
2_ راجع ملخصاً لهذا الحكم في مجلة التحكيم العربي ، العدد الخامس ،سبتمبر 2002،ص 178_179.
3_ EI_ kosheri(A. S.) , Riad (T .F) : The Settlement of International Investment
Disputes, An Overview ., p. 38.
هذا البحث غير منشور وقد حصلنا على صورة ضوئية منه من مكتب الأستاذ أحمد صادق القشيري .
4_ د. إبراهيم أحمد إبراهيم : التحكيم الدولي الخاص ،دار النهضة لعربية ،2004،ص 89، وما بعدها .
مبدأ استقلال شرط التحكيم 1 Independence

ومفاده أن ننظر إلى شرط التحكيم الوارد في العقد على انه عقد قائم بذاته رغم انه ليس إلا جزءاً من هذا العقد أو أحد بنوده وبمعنى آخر أننا أمام عقدين ،العقد الأصلي ببنوده المختلفة وعقد التحكيم الوارد في العقد كأحد بنود هذا العقد .
وتستند استقلالية شرط التحكيم إلى أن هذا الشرط يشكل عقداً ضمن العقد الآخر ،وبتعبير آخر فإن شرط التحكيمي يشكل عقداً معادلاً للعقد الأساسي . ويرجع ذلك إلى أن لكل من العقدين موضوعاً مختلفاً عن الآخر ، فعلى الرغم من ورود شرط التحكيم في العقد الأصلي المتعلق به في الأغلب الأعم من الحالات ، إلا أنه يظل متميزاً عنه بمحله الخاص به . فمحل شرط التحكيم هو عمل إجرائي بحت وهو منفصل عن العقد الأصلي الذي ينضاف إليه على نحو يجعل كل منهما عقداً متميزاً عن الآخر ، وان تضمنتها وثيقة واحدة .حيث أن العمل الإجرائي محل شرط التحكيم إنما يتعلق بحسم المنازعات الناشئة عن العقد الأصلي الذي يهدف إلى تحديد حقوق والتزامات الأطراف الموضوعية2 .
ومن الجدير بالذكر أن مبدأ الاستقلالية لا يعتبر من النظام العام ، فيجور الاتفاق على خلافه ،بمعنى يجوز للطرفين الاتفاق على عدم استقلالية شرط التحكيم وإنما تبعية الشرط للعقد الأصلي . وهذا ما أكده المشروع السوري في المادة (11) بقوله " يعتبر شرط التحكيم اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى ،ولا يترتب على انتهاء العقد أو بطلانه أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه ،متى كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته ، ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك "








-----------------------
Sornarajah . (M) . ' stae contracts and foreign in vestment disptes: th settlement of
Foreign disputes " The Hague: Kluwer, 2000. p . 104 et seq .
1_ في استقلالية شرط التحكيم راجع :د .حمزة حداد التحكيم في القوانين العربية ،الجزء الأول ،منشورات الحلبي الحقوقية ،2007،ص 108_ 115.
Bron , International commercial arbitaration, 2001, kluer, p,55, et seq.
2_ د. مصطفى الجمال ، امتداد شرط التحكيم خارج الإطار التقليدي للعقد المتعلق به ، مجلة الدراسات القانونية ، كلية الحقوق ،جامعة بيروت العربية ، العدد السابع تموز (يوليو ) ،2001،ص 67.
وسيترتب على مبدأ الاستقلالية انه إذا اعتبرت هيئة التحكيم أن العقد المتضمن لشرط غير قائم أو باطل ولا أثر له فإن هذا لا يؤدي إلى أن يكون شرط التحكيم ذاته غير نافذ أو باطل ولا أثر له ،فضلاً عن تقرير الاستقلال القانوني لشرط التحكيم عن العقد الأصلي .بحيث يمكن إخضاع كلاً منهما لقانون مختلف عن القانون الذي يحكم الآخر . أي أنه يترتب على هذا المبدأ أثرين هامين هما :
أ_ عدم تأثر شرط التحكيم بالعقد الأصلي :
يعتبر هذا الأثر أهم أثر يترتب على مبدأ الاستقلال والذي يعني أن صلاحية أو صحة أو نفاذ شرط التحكيم غير مرتبطة بمصير العقد الأصلي . فالادعاء بان العقد الأصلي لم يتم إبرامه في الفرض الذي يكون فيه العقد الذي يتضمن شرط التحكيم تم توقيعه ولكنه لم يدخل حيز النفاذ أو انه وقع باطلاً أنه تم فسخه أو أن الالتزامات الناشئة عن العقد الأصلي تم تجديدها على ما شابه ذلك من أحكام قد تلحق العقد الأصلي لا يكون له اثر على فاعلية شرط التحكيم أو يؤدي إلى المساس به . وتبعاً لذلك يظل الاختصاص معقوداً لهيئة التحكيم للفصل في حقوق والتزامات أطراف النزاع والحكم في الطلبات والدفوع حتى إذا كان العقد ذاته غير نافذ أو كان باطلاً ولا اثر له1.
وهذا ما أكدته المادة (16/1) من القانون النموذجي للتحكيم بقولها أن " أي قرار يصدر من هيئة التحكيم ببطلان العقد لا يترتب عليه بحكم القانون بطلان شرط التحكيم ".
وكذلك المادة (11) من قانون التحكيم السوري بقولها أنه " ... لا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان الشرط صحيحاً في ذاته ".
كما أقرت ذلك قواعد التحكيم التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي لعام 1976 في المادة (21/2) بقولها بان "كل قرار يصدر من هيئة التحكيم ببطلان العقد لا يترتب عليه بحكم القانون بطلان شرط التحكيم "









----------------------------
1_ د. حفيظة السيد الحداد ،الاتجاهات المعاصرة بشان اتفاق التحكيم ،دار الفكر الجامعي ،الإسكندرية ،2001ص44.

وهو أيضاً ما ذهبت إليه المادة (6/4) من نظام التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية والنافذ اعتباراً من أول يناير 1998 والتي نصت على أن " المحكم يظل مختصاً حتى في حالة انعدام العقد أو بطلانه بهدف تحديد حقوق الأطراف والنظر في طلباتهم "
ويثور التساؤل ما إذا لحق البطلان شرط التحكيم بحد ذاته ، وليس بسبب تبعيته للعقد ؟ في هذه الحالة فإن الشرط يكون باطلاً بصرف النظر عن العقد الأصلي . فبطلان شرط التحكيم يعني أن اتفاق مستقل عن العقد الأصلي قد أبطل فيبقى هذا العقد قائماً طالما لم يلحقه عيب .
ب_ الاستقلال القانوني لشرط التحكيم عن العقد الأصلي :
وهو ما يعني خضوع شرط التحكيم لقانون آخر غير ذلك الذي يخضع له العقد الأصلي ،فاستقلالية شرط التحكيم تؤدي إلى قبول عدم خضوع شرط التحكيم بالضرورة إلى ذات القواعد التي تحكم العقد الأصلي فقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية في قضية Hecht عام 1973إلى أن لشرط التحكيم استقلال قانوني كامل في مواجهة العقد الأصلي وأي قانون وطني يكون واجب التطبيق "1
ومما لا شك في أن الاعتراف بهذا الأثر لمبدأ استقلال شرط التحكيم من شأنه أن يحقق الفاعلية في مجال استقلال شرط التحكيم ، إذا لو اقتصرنا على الأثر الأول وهو استقلال الشرط عما يصيب العقد الأصلي من بطلان ،لكان معنى ذلك أنه إذا ورد العقد صحيحاً لا بطلان فيه وكان القانون الواجب التطبيق عليه يحظر شرط التحكيم أو يجعله باطلاً لسبب أو لآخر فإن هذا الاستقلال لن يحول دون أن يقع شرط التحكيم باطلاً 2.











--------------------------
1_ راجع هذه القضية: Cass.4\7\1972.Rev.cri, 1974,p.82,note Level .
وانظر أيضاً : Dalico Socitie v. kgoms el, 20,12,1993, Meghreb
2_ د. أحمد مخلوف : اتفق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية ،دار النهضة العربية 2003،ص 130.
وقد أضحى مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي اليوم من المبادئ المستقرة بشأن التحكيم التجاري الدولي ،إلى درجة أن البعض يذهب إلى القول بوجود قاعدة موضوعية عبر دولية مؤداها استقلال شرط التحكيم بالنسبة للعقد الأصلي .
ونحن من جانبنا نؤيد استقلال شرط وبقاؤه نافذاً بالرغم من بطلان العقد الأصلي الذي يتضمنه ،نظراً لأن حاجة الأطراف إلى التحكيم تزيد في حالة عدم صحة اتفاقهم أو وجود سبب من أسباب بطلانه كما أن في تقرير استقلال شرط التحكيم ما يساعد الأطراف على الوصول إلى حل سريع لخلافاتهم .
هذا وقد حرصت معظم القوانين الوطنية بشان التحكيم على النص صراحة على مبدأ استقلالية شرط التحكيم في علاقته بالعقد الأصلي بهدف مساعدة الأطراف على عدم الوصول إلى حل سريع لخلافاتهم .
فأكد المشرع السوري صراحة في قانون التحكيم أن شرط التحكيم يعتبر اتفاقاً مستقلاً عن بقية شروط العقد الأخرى ،فنص في المادة (11) منه على انه "يعتبر شرط التحكيم اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى ،ولا يترتب على انتهاء العقد أو بطلانه أو فسخه أو إنهائه أي اثر على شرط التحكيم متى كان _ هذا الشرط صحيحاً في ذاته ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك "
كما أخذ بنص مشابه قانون التحكيم المصري في المادة (23)منه وكذلك قانون التحكيم الأردني رقم 31 لعام (22)منه2.













---------------
1_ د.محمد عبدا لله المؤيد،منهج القواعد الموضوعية في تنظيم العلاقات ذات الطابع الدولي ،ص 235.
2_ نص المادة 22 من قانون التحكيم الاردني على انه :" يعد شرط لتحكيم اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى ،ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على التحكيم الذي يتضمنه إذا كان شرط التحكيم صحيحاً في ذاته "


كما أكد على مبدأ الاستقلالية أيضاً القانون الدولي الخاص السويسري لعام 1987 في المادة (178/3) التي تنص صراحة على انه لا يجوز المنازعة في صحة اتفاق التحكيم بمقولة عدم صحة العقد الأصلي "1.
وكذلك أيضاً القانون الهولندي لعام 1986 والساري اعتباراً من 1 ديسمبر 1986 في المادة (1053)2 وقانون التحكيم الإنجليزي لعام 1996 والساري منذ 31 يناير 1997 في المادة (7) منه متداركاً بذلك النقض التشريعي الذي كان يشوب التشريعات السابقة 3 .
أما في فرنسا وبالرغم من الخلاف الفقهي الذي ثار حول استقلالية شرط التحكيم عن العقد الأصلي ،إلا أن القضاء قد استقر على الأخذ بمبدأ استقلالية شرط التحكيم ،وذلك بعد أن كان قضاء محكمة النقض الفرنسية متمسكاً بمبدأ تبعية شرط التحكيم للعقد الأصلي ،إلا إنها بعد ذلك فرقت في أحكامها بين شرط التحكيم في العلاقات الداخلية والعلاقات الدولية ،وسلمت بمبدأ استقلالية شرط التحكيم في العلاقات الدولية ،في حكمها الصادر في قضية كوسي Gossetضد كاربلي Carapelli. وتتلخص وقائع هذه القضية في صدور حكم تحكيم في إيطاليا يقضي بإلزام مستورد فرنسي يدعى ( Gosset) بدفع تعويض لصالح مصدر إيطالي يدعى Carapelli ،وكان الطرف الفرنسي قد تعاقد معه على استيراد كمية من البذور ولم يقم بتنفيذ التزاماته التعاقدية ،وعند تنفيذ حكم التحكيم في فرنسا دفع الطرف الفرنسي برفض طلب الأمر بالتنفيذ تأسيساً على بطلان شرط التحكيم الوارد في العقد لكون هذا الأخير قد وقع باطلاً بطلاناً مطلقاً وذلك لمخالفة لقواعد الاستيراد والتصدير المقررة في القانون الفرنسي غير أن محكمة النقض الفرنسية رفضت هذا الدفع وقضت بأنه







------------------------
1_ راجع نصوص هذا القانون منشورة على شبكة الانترنت :
http://www.admin.ch\ch\f\rs\291

2_ راجع نصوص هذا القانون منشورة بالانجليزية على شبكة الانترنت :
http://www.jus.uio.no\lm\netherlands.arbitration.act.1986\doc

3_ راجع نصوص هذا القانون منشورة على شبكة الانترنت :
http:www.jus.uio\lm\england.arbitration.act.1996\doc

" في مجال التحكيم الدولي ،فإن اتفاق التحكيم سواء ورد مستقلاً أو مندمجاً في تصرف قانوني له استقلال كامل مما يستبعد أثره بما قد يطرأ على التصرف من بطلان وذلك فيما عدا حالات استثنائية "1
ويعد هذا الحكم توالت أحكام محكمة النقض الفرنسية في تأكيدها لمبدأ استقلال شرط التحكيم بغير تحفظ وبدون إيراد عبارة _ فيما عدا حالات استثنائية –ومثال ذلك أحكامها الصادرة في 18 مايو 1971 في قضايا lmpEx والتي قضت فيها بان " بطلان العقد الأصلي لعدم مشروعيته بسبب الغش لا يترتب عليه بطلان شرط التحكيم والذي يتعين النظر إليه استقلالاً 2 .
ومن الجدير بالذكر أن القضاء الفرنسي في تقريره لمبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي قد تأثر بالقضاء الهولندي الذي يعتبر أول من قرر هذا الاستقلال صراحة ، فقد قضت المحكمة الهولندي في 27 ديسمبر 1935 بأنه " في حالة تنازع الأطراف حول صحة أو بطلان العقد ،فإن ذلك لا يمنع من اختصاص المحكم بالفصل في النزاع رغم احتمال عدم صحة العقد الذي ورد به شرط التحكيم "3.
أما في بريطانية فقد كان القضاء الانكليزي وحتى وقت قريب لا يعترف بمبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي ، إلا انه سرعان ما تحول عن موقعه هذا وأقر صراحة باستقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي ولو كان هذا الأخير غير شرعي ( illegal ) ،وذلك في الحكم الذي أصدره عام 1993 في دعوى / Harbour v .kansaوقد لاقى هذا الحكم تأييداً كبيراً من جانب الفقه الذي كان يناصر مبدأ الاستقلال أياً كانت درجة بطلان العقد 5.








___________________________

1_ p.82.,Clunet,1964,Cass. Civ., 7Mai, 1963,Rev .Crit,1963,p.615 note Motulsky,
n. Bredin
2_Cass . Civ. 18 Mai 1971 ,Rev .crit., 1972., p. 124. N.mezger, Clunet, 1972.p.62,n oppetit .
3_ أحمد مخلوف ، اتفاق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية ،مرجع سابق ،ص118
4_ Clive Schmitthoff . the jurisdiction of the arbitrator, the Art of Arbitration , Liber
Amicorum Pieter sanders, 1982,p.290.
5_Hill, J, The law relating to international commercial dispute, 1994.LLp, no .18.1.

أما في الولايات المتحدة الأمريكية فبالرغم من عدم وجود نص تشريعي يقر بمبدأ الاستقلال ،إلا أن المحكمة العليا قبلت مبدأ استقلال شرط لتحكيم ابتداءً من عام 1967، وذلك في قضية ( prima print )ضد ( Flood and Conkin ) والتي قضت فيها بأنه " تبعاً للقانون الفيدرالي فإن مصير اتفاق التحكيم يعد مستقلاً ومنفصلاً عن مصير العقد المدرج فيه هذا الاتفاق "1.
كما ذهب القضاء في بعض الدول العربية إلى تأكيد مبدأ استقلال شرط التحكيم بالرغم من عدم وجود نص خاص يقضي بذلك . من ذلك القضاء القطري الذي قضي بان الالتجاء إلى التحكيم قد يكون تنفيذاً لأحد شروط العقد .الذي تمخضت عنه المنازعة ،وهو الأمر الشائع في العقود الدولية التجارية .وقد أصبح هذا الشرط يتمتع بذاتية مستقلة لا يتأثر ببطلان أو فسخ محتمل لهذا العقد .وقضي أيضاً بان المحكم كالقاضي ،يملك الحكم في صحة عقد التحكيم أو بطلانه ،ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه ،أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه ،إذا كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته 2.
كما اتجه أيضا في دبي إلى القول باستقلالية شرط التحكيم ،وذلك في حكم تمييز دبي فيه" أن بطلان العقد المتضمن شرط التحكيم ، أو فسخه أو إنهائه ، لا يمنع من لن يظل شرط التحكيم سارياً ومنتجاً لآثاره ، ما لم يمتد إلى شرط التحكيم ذاته،باعتبار أن شرط التحكيم له موضوعه الخاص به ، والذي يتمثل في استبعاد النزاع المشترط فيه من ولاية المحاكم "3.












___________________________

1_ د.عبد الحميد الأحدب ، موسوعة التحكيم والتحكيم الدولي ،الجزء الثاني ،دار المعارف ،1998، ص153.
2_استئناف 152و155و170/96،في 3/2/1997: ومدينة كبرى 1550/2001،في 29/5/2002.
3_ تمييز دبي ،طعن 167، تاريخ 2/6/2002،عدد 13،ص486.



كما ذهب القضاء في لبنان على القول باستقلالية شرط التحكيم ،وذلك في حكم لمحكمة استئناف بيروت جاء فيه " أن شرط التحكيم مستقل عن العقد الذي ورد فيه فيبقى قائماً بذاته بغض النظر عن العقد الذي ورد فيه"1.
أما بالنسبة للاتفاقيات الدولية المتصلة بالتحكيم ،فإنها لم تنص صراحة على مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي ،وان كان يمكن استخلاص اتجاهها الضمني إلى إقرار هذا المبدأ من خلال إقرارها لمبدأ اختصاص المحكم بالفصل في اختصاصه ،ذلك أن تقرير مبدأ الاختصاص يعني ترك تقدير مدى الأخذ بمبدأ استقلال شرط التحكيم للمحكم ،ولا شك أنه سيكون أكثر ميولاً للأخذ بمبدأ الاستقلال مما يستتبع اختصاصه بالفصل في النزاع .
فاتفاقية جنيف الأوربية للتحكيم التجاري الدولي المبرمة في 21 ابريل 1961 لم تتخذ موقفاً صريحاً إلا بشان اختصاص المحكمين بالفصل في اختصاصهم ،وذلك في الفقرة الرابعة من مادتها الثالثة .

وكذلك الأمر بالنسبة لاتفاقية واشنطن لعام 1965 الخاصة بتسوية منازعات الاستثمار بين الدول ورعاياً الدول الأخرى ،فلقد اقتصرت الفقرة الأولى من المادة (41) منها على تأكيد أن :" هيئة التحكيم هي التي تحدد اختصاصها " أما اتفاقية نيويورك لعام 1958 فلم تتضمن أي نص يتعلق بمسالة استقلال شرط التحكيم ،ويرجع السبب في ذلك أنها معاهدة للاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها.

وقد حرص مجمع القانون الدولي في قراره الصادر في دورته الثالثة والستين في " Santiago de Compostela والمنعقدة من 5إلى 13 سبتمبر 1989 تحت عنوان " التحكيم بين الدول أو مشروعاتها أو هيئاتها والمشروعات الأجنبية " على









_________________________
1_ استئناف بيروت ،تاريخ 3/4 2003، المجلة اللبنانية ،عدد 26،ص45.استئناف بيروت ،تاريخ 14/10/2004،المجلة اللبنانية ،عدد 32،21.


النص صراحة في المادة (3/أ) على استقلال التحكيم عن العلاقة القانونية التي يرجع إليها 1.
كذلك فقد قامت معظم لوائح التحكيم بتكريس مبدأ استقلالية شرط التحكيم من خلال النص صراحة على هذا المبدأ . فقد أقرت قواعد التحكيم التي أقرتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي هذا المبدأ .وذلك في المادة (21) منها التي أكدت على معاملة شرط التحكيم الوارد في العقد ويشير على إجراء التحكيم وفقاً لهذه القواعد بوصفه اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى .
كما أكدت على مبدأ استقلال اتفاق التحكيم المادة (6/4) من نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية النافذ اعتباراً من أول يناير 1998 ، حيث نصت على انه :" ما لم يتفق على خلاف ذلك ،لا يترتب على الإدعاء ببطلان العقد أو انعدامه عدم اختصاص المحكم مادام قد انتهى إلى صحة اتفاق التحكيم ،ويظل المحكم مختصاً حتى في حالة انعدام العقد أو بطلانه بهدف تحديد حقوق الأطراف والنظر في طلباتهم" .
وأيضاً قواعد تحكيم مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي ،حيث تنص المادة (21/2) من هذه القواعد على أن :"يعامل شرط التحكيم الذي يكون جزءاً من عقد و ينص على إجراء التحكيم وفقاً لهذا النظام بوصفه اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى .وكل قرار من هيئة التحكيم ببطلان العقد لا يترتب عليه بحكم القانون بطلان شرط التحكيم ".
وقد حرص المحكمون في أحكام التحكيم سواء تلك الصادرة عن محاكم التحكيم الحر ( Ad hoc ) ، أو الصادرة عن مراكز أو هيئات التحكيم الدولية على تأكيد مبدأ استقلالية شرط التحكيم عن العقد الأصلي باعتباره مبدأ من مبادئ القانون التجاري الدولي.
ففي قضية Losinger ضد الحكومة اليوغسلافية تم إعمال مبدأ الاستقلال حيث دفعت الحكومة اليوغسلافية أمام هيئة التحكيم بأن شرط التحكيم لم يعد له وجود







___________________________________
1_راجع نص قرار مجمع القانون الدولي منشور في :
ICsI DR ev- F .I.L.J vol 5,N 1 1990,p.140,



على أثر فسخ مجلس الوزراء اليوغسلافي في العقد الأصلي ،وقد رفض المحكمون هذا الدفع على أساس وجود قضاء مستقر يجعل من فسخ العقد بالإرادة المنفردة مجرداً من كل أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه والذي يتعين الإبقاء عليه لحين الحكم في بواعث هذا الفسخ 1.

وفي قضية Lena Gold Fieds ضد الحكومة السوفيتية تطبيق مبدأ استقلالية شرط التحكيم ،حيث أكدت هيئة التحكيم في حكمها أنه على الرغم من أن الحكومة السوفيتية قد رفضت المشاركة في إجراءات التحكيم ،إلا أنها تظل ملزمة بالالتزامات الواردة في عقد الامتياز ، وبصفة خاصة بشرط التحكيم لوارد في العقد ويعد ذلك إعمالاً ضمنياً لمبدأ التحكيم 2.
وأيضاً تم الأخذ بمبدأ استقلال شرط التحكيم في أحكام التحكيم الصادرة عن غرفة التجارة الدولية في باريس ،ومن هذه الأحكام ،الحكم الصادر في القضية رقم 1526 لعام 1968 3 . وكذلك الحكم الصادر في القضية رقم 2476 لعام 41976
وكذلك الحكم الصادر في القضية رقم 6142 لعام 1990 5.
وكذلك الحكم الصادر في تحكيم texaco ضد الحكومة الليبية حيث تمسكت الحكومة الليبية بان التأميم الذي قامت به قد وضع نهاية لعقد الامتياز .وكذلك لشرط التحكيم المدرج فيه .إلا إن الأستاذ Dupuy قد رفض ذلك وأقر باختصاصه للفصل في النزاع استناداً إلى مبدأ شرط التحكيم 6.








_____________________________________
- 1C.p.J. l., series C, No . 78, p.23.
- 2The Aribiration between The Lena GoLd Fields LID And The soviet
Cornell Law Quarterly, 1950,p. 42 et seq .
Sentence CCl . No . 1526 (1968) .JDl . 1974 .p .915 . 3_
4_ . No . 2467 (1976) . JDI . 1977. p . 936 . Sentence CCl
5_ . No 6142 (1990) .JDI .1990 .p .1039 . Sentence CCl
ويتعلق الحكم بنزاع بين الحكومة الليبية وشركة تكساكو بسبب تأميمي ليبيا شركة البترول المذكورة بعد قيام الثورة الليبية رغم حصول الشركة على عقد استغلال بترول في الأراضي الليبية قبل الثورة .وقد نشر هذا الحكم في :
International Legal materials , (I . L.M) .vol.17, January 1978, pp.3-37.


كما أكد المحكم محمصاني Mahmassani في قضية Liamco أنه :" من المتفق عليه عموماً سواء في الممارسات العملية أو في القانون الدولي بقاء شرط التحكيم بعد انتهاء بالإرادة المنفردة من قبل الدولة للعقد الذي يوجد فيه هذا الشرط والذي يظل ساري المفعول حتى بعد هذا الإنهاء "1.

كذلك انتهى المحكم المنفرد Bernhard Gonard في قضية EIf aquitaine إلى إن الاعتراف بالاختصاص لنفسه .وذلك استناداً إلى مبدأ استقلالية شرط التحكيم :" إذا انه من المبادئ المعترف بها في قانون التحكيم الدولي أن شروط التحكيم تستمر لتكون نافذة المفعول حتى على الرغم من المعرضة من جانب أحد الأطراف في أن العقد المتضمن شرط التحكيم هو غير شرعي وباطل " 2.

وهكذا فقد اقتضى تحقيق الفاعلية لشرط التحكيم الدولي الاعتراف بمبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي مما يكون من شانه أن يزيل مخاوف المتعاملين ،ويحصن شرط التحكيم من كل أسباب البطلان التي تمس العقد الأصلي وكذلك قبول إخضاع العقد الأصلي لنظام قانوني يختلف عن ذلك الذي يحكم شرط التحكيم .











____________________________
1_ ويتعلق بنزاع بين الحكومة الليبية وشركة ليامكو بسبب تأميم الحكومة لهذه الشركة .وقد نشر هذا الحكم في :
International Legal materials , (I . L.M) .vol 20 , 1981 ,pp.1_87 . l

2_ ويتعلق الحكم بنزاع بين الشركة الوطنية الإيرانية للبترول وشركة Elf Aquitaine
بسبب تأميم إيران لهذه الشركة .وقد نشر هذا الحكم في :
Yearbook Commercial Arbitration , (y.B.Com. Arb )., vol 11, 1986,p,97.